الكويت كلها تنتخب

TT

تزدان الكويت هذه الايام بحلل الديمقراطية المتمثلة في البرامج الانتخابية واليافطات والشعارات والندوات التي تملأ شوارع الكويت من شمالها الى جنوبها، إلا ان هذه الانتخابات تظل مميزة عن باقي الانتخابات التي مرت بها الكويت، فحركة الناخبين ونشاط المرشحين لم تقتصر على الرجل كما عهدته الانتخابات السابقة في الكويت، فقد احتلت المرأة ركنا اساسيا في القاعدة الانتخابية وفي عملية التقييم واتخاذ القرار وهي ايضا مرشحة كأي رجل آخر في هذه الانتخابات التي بلغ عدد المرشحين فيها 311 مرشحا.

والى جانب المشاركة النسائية في هذه الانتخابات، يلاحظ ان قضايا المرأة وخصوصا من النواحي الاجتماعية والقانونية المتعلقة بالاحوال الشخصية وكذلك الخاصة بالامتيازات والحقوق التي كفلها ونظمها القانون كالجنسية والاسكان، فرضت نفسها على الساحة الانتخابية وخاصة البرامج الانتخابية والنقاشات التي تدور في المقار الانتخابية خلافا لما كان عليه الحال قبل سنوات حين كانت هذه القضايا تعتمد على مدى استعداد الناخب الرجل او المرشح نفسه بتبني طرح هذه القضايا وتحمل هذه الاعباء التي تحولت ككرة الثلج.

ولعل ما يميز ايضا هذه الانتخابات عن الانتخابات السابقة هو المشاركة الشبابية من الجنسين في الحملات الانتخابية وحملات الاتصال الجماهيري ومشاركتهم ايضا بطرح قضاياهم والتحديات التي يواجهها هؤلاء الشباب خصوصا الخريجيين منهم، فقد باتت هذه الشريحة من المجتمع الكويتي ليس فقط صوتاً عالياً في هذه الانتخابات بل أيضاً فكراً واضحاً ومطالب مشروعة كمطالبتهم برعاية طموحاتهم ورغباتهم في تأسيس مشاريعهم الصغيرة بدلا من الانخراط في العمل الحكومي وهذا وحده دليل واضح على التغيير والنضج في مفاهيم العمل والتخطيط للمستقبل الذي من شأنه أن يدشن أفاقاً جديدة تنسجم مع متطلبات الإصلاح والتخصيص ومشاركة أكبر للقطاع الخاص في خطط التنمية.

يضاف إلى ذلك بروز الوعي الجماهيري والإدراك الشعبي لأهمية مكافحة ظاهرة شراء أصوات الناخبين والذمم والضمائر وهو ما أدى إلى تأسيس لجنة شعبية تعنى بتكريس النزاهة والشفافية خلال فترة الانتخابات وهذا برهان آخر على تطور الوعي الشعبي بالانتخابات وعمق جذور الديمقراطية.

ويصل عدد المرشحات للانتخابات 30 مرشحة أي بنسبة تقترب من 10% من أجمالي عدد المرشحين وهي نسبة تبعث على الاطمئنان لأول انتخابات تخوضها المرأة الكويتية التي لم يتكدس ترشيحها في دائرة واحدة بل طالت العديد من الدوائر.

مشاركة المرأة الكويتية في هذه الانتخابات حققت بلا شك مكاسب سياسية للكويت وأكدت أيضاً الإيمان والالتزام المطلق للنظام الكويتي بالديمقراطية والمشاركة الشعبية في صياغة المستقبل.

وهناك مكسب اجتماعي لا يقل أهمية وهو أن مشاركة المرأة في الانتخابات ترشيحاً وانتخاباً أسهم في كسر الحواجز التي قامت بفعل ممارسات متراكمة وعادات تقليدية بين الرجل والمرأة، فالحوار الشعبي والانتخابي تحديداً صار يجمع المرأة من مختلف التيارات الفكرية والاجتماعية تحت سقف واحد مع الرجل ولم تقتصر المشاركة على فئات وشرائح معينة بل إن المشاركة النسائية حظيت أيضاً بدعم الرجل أباً وزوجاً وهذا بحد ذاته إنجاز عظيم ستجني الكويت ثماره على المدى القريب والبعيد أيضاً.

ونتيجة لذلك أصبح لدينا برامج انتخابية بات يرفعها المرشحون الرجال تركز على القضايا التي يمكن من خلالها جذب صوت المرأة بسبب أن عدد النساء في معظم الدوائر يفوق عدد الرجال وهو ما يعني أن القاعدة النسائية تلعب دوراً رئيسياً في حسم نتائج الانتخابات.

تجربة الكويت مع الديمقراطية ستظل تجربة رائدة والأبرز في مجمل المنطقة العربية وستظل تأكيداً وبرهاناً على أن الإصلاح السياسي الديمقراطي الذي يشق طريقه من الداخل أكثر قوة عما يمكن أن يأتي من الخارج.

* إعلامي كويتي