من العراق عادوا.. ويا لها من عودة..!

TT

إنهم يعودون من العراق. هذه هي الإشارة الرئيسة التي يمكن التقاطها من العملية الناجحة التي قامت بها قوات الأمن السعودية في حي النخيل في العاصمة الرياض، وأسفرت عن مصرع ستة من الإرهابيين والقبض على سابع، وما تلا ذلك من القبض على قرابة أربعين آخرين مرتبطين بهذه الخلية.

كان لافتاً للنظر وجود عراقي ضمن المعتقلين، وكذلك كمية الأموال والأسلحة التي وجدت بحوزتهم، لكن الأهم من ذلك وجود شخصين في خلية حي النخيل (على الأقل) سبق لهما القتال في العراق تحت إمرة أبي مصعب الزرقاوي، وهما محمد بن رشيد الجليدان، قائد الخلية، الذي سبق له أن كان حلقة وصل بين القاعدة في العراق والقاعدة في السعودية، والشخص الآخر هو سامي بن سعود المطيري. أمكنة القبض على الإرهابيين كانت ذات دلالة أيضاً، فالحدود السعودية ـ العراقية، كان لها أكبر نصيب من المقبوض عليهم وفي العثور على الأسلحة.

إن هذا كله، مع دلائل أخرى، يعني أن موسم هجرة الإرهابيين من العراق إلى السعودية قد بدأ، فالسعودية هي الهدف الأهم والرئيس للقاعدة، سواء في تنظيرات «أميرها» أسامة بن لادن، أو «واليه على العراق» سابقاً أبو مصعب الزرقاوي، فالزرقاوي لم يكتف بالبيانات المؤيدة للقاعدة في السعودية، أو بتبادل الغزل معهم، بل قام بمراسلتهم واستقبل فلول الهاربين منهم، وأكثر من ذلك أنه قدم لهم كل مساعدة، كما يشهد بذلك محمد السويلمي (أحد الإرهابيين، وقد قتل في منطقة القصيم أواخر ديسمبر 2005).

فالأسلحة والأموال والأشخاص كانت في طريقها من العراق إلى السعودية، وليس العكس، كما زعم محلل قناة الجزيرة الدكتور عبد الله النفيسي، الذي لم يراع مشاعر ملايين العراقيين وهو يصف الزرقاوي بالشهيد!

إن عودة هؤلاء الأشخاص إلى السعودية واستعدادهم للقيام بأعمال إرهابية فيها يدق ناقوس الخطر في منطقة الخليج كلها، ويدعو إلى اليقظة والحزم في تتبع هؤلاء العائدين، كما أنه يؤكد على خطورة تجاهل المؤيدين لتجنيد الشباب وذهابهم إلى العراق، والمتباكين على هلاك أبي مصعب الزرقاوي. إن الإرهاب ملة واحدة، فلا يمكن تجزئته وقبول بعضه ورفض بعضه الآخر، فالإرهاب الذي يقتل الأبرياء في السعودية ومصر والأردن وغيرها، هو الإرهاب الذي يذهب ضحيته العشرات، بل والمئات من الأبرياء في العراق، فالقاتل واحد ودوافع الإجرام واحدة، والمنطلقات الفكرية هي ذاتها، فكيف ساغ لبعضهم إنكار بعضه وتأييد بعضه؟ أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض؟

إن الأمر واضح، فأتباع تنظيم القاعدة في السعودية أو في العراق، أو في أي مكان مجرمون وإرهابيون، والزرقاوي لا يقل إجراماً ولا إرهاباً عن ابن لادن، ولست مبالغاً لو قلت هو أسوأ منه (ولهذا حديث آخر ليس هذا مقامه). لذا فمن التناقض إدانة التفجير في الرياض والسكوت أو الرضا بتفجير في مصر أو العراق أو الأردن، ومن النفاق إدانة تنظيم القاعدة في السعودية والصياح والعويل على وفاة الزرقاوي، فالجمع بين محبة الزرقاوي والولاء الوطن لا يكون إلا من باب: الصلاة خلف علي أفضل، ومائدة معاوية أدسم.

ولو نظرنا للأمر من جهة أخرى، فما حصل يعني نجاح الحملة الأمنية للقضاء على القاعدة في السعودية، وأن ما تبقى منهم ليسوا سوى فلول عاجزة عن العمل أو حتى عن التنسيق مع العائدين من العراق. وملاحظة أخرى هي أن أغلب العائدين من العراق يفتقرون إلى الخبرة، وأهم من ذلك أنهم من دون أدنى حصيلة علمية، ويشهد بهذا بياناتهم المليئة بالأخطاء الإملائية واللغوية المضحكة. وعلى كل حال، فمعالجة قضية العائدين من العراق، ليس لها إلا أن تبدأ من محاصرة الخطاب الذي يلقي بأبنائنا في أتون حرب طائفية لا تبقي ولا تذر، ويجعل منهم لقمة سائغة لدهاقين التكفير والتفجير يتلاعبون بهم كيف شاءوا.

* كاتب سعودي.