ليس للجبان صوت

TT

كان لبنان السياسي مضحكا لدرجة أن مثل هذه الكارثة كان متوقعا. طبعا كان مضحكا من النوع المأساوي، حيث يرى المواطن أمامه سيركا ومهرجين وكذبة، ويدرك انه عاجز عن أي شيء. فالسيرك السياسي في مكان، وهو في مكان آخر. وبلد آخر، ومصير آخر. فقد كان المهرجون غارقين في معركة رئاسة الجمهورية، فيما الجمهورية على حافة الزوال. وكانوا يطمرون قاماتهم الصغيرة بالصغائر فيما المصير على الأعتاب. وكانوا يتحاورون متكاذبين خلف أقنعة سخيفة، من اجل ألا يقولوا شيئا وألا يتفقوا على شيء. لم يستطع سياسي منهم أن يعلو قليلا فوق صغره، لكي يرى أين هي القضية، وأين هو المصير، وماذا يجب أن نفعل لكي نحمي البلد اليتيم من التفتيت الأخير.

تفرقوا يغنون، كل واحد لبلد وكل واحد لمشروع. وكل واحد لكرسي. أو لأجر كرسي. وكان لبنان يئن فقرا وخوفا وكانوا يغنون. وكانوا يرفعون صورهم الملونة من دون أن يذكروا معها إنجازا واحدا في كل تاريخهم، سوى إنجاز الخراب والدمار والتشريد. حيثما حلوا يكون خراب ودمار وتشريد وأطفال يهربون على ظهور البواخر المعرضة للقصف.

منذ اغتيال رفيق الحريري بدا كم هي المأساة اللبنانية كبيرة. الدولة مفككة والوطن مشرذم والتوافق الوطني سراب والمؤسسات فساد وفراغ. وقد وقعت 14 جريمة سياسية كبرى لم يعتقل بعدها مشبوه واحد. وبقي القضاء جثة معلنة أمام هول الارتكابات. وحكمت الحكومة باللاحكم. ومنع عليها اتخاذ أي قرار وطني، ولم تجرؤ حتى على نقل سفيرها في واشنطن الذي ترفض الخارجية الأميركية استقباله أو التعاطي معه. وبقيت مناقلات جميع الديبلوماسيين الآخرين، حتى الكتبة الناشئين، ممنوعة.

وظهر بعد الانتخابات النيابية طقم جديد من المعتدين على أخلاقيات العمل الوطني. فازداد الشعور العام بان السيرك يتسع وادوار القردة تكبر.

كان سهلا على أي كان، وليس فقط على عدو في حجم إسرائيل، أن يضع مشروعا للانقضاض النهائي على دولة لاهية في عروض القردة والكذابين والمهرجين والمتنافقين لجميع الأمم والواقفين في جميع الأعتاب، وكل صوت هو صوت سيده ولا صوت حقيقيا لأحد. فالجبان لا صوت له. وفاقد الشعور بالأرض لا صوت له. والساكن في بيوت لم يتعذب في بنائها لا يعرف قيمة البيوت. لقد جعله خناسو السياسة بلدا مستعارا. وها هم يتفرجون وإسرائيل تدكه وأطفاله يهربون. ربما إلى غير عودة.