ويلوح رغم أنف الغسق وجه لبنان

TT

ليس سهلا أن تكتب عن لبنان أو عن شجرة الورد التي كلما تفتحت أزاهيرها امتدت إليها الأيدي الآثمة كي تعبث بها.. ما أقسى أن تمطر عليك شاشات الفضائيات جسورا وشوارع تحترق مررت عليها ذات يوم وكانت أشبه بمهرجانات فرح.. المرفأ، جسر المطار، ميناء طرابلس، وادي الشحرور، الدامور، صيدا، وغيرها.. أماكن حميمة اتسعت لفرحك ذات يوم، تشاهدها الآن تحترق بين عينيك.. ومراسل إحدى القنوات العربية يبث أخبار الموت وقد اهتزت خلفه فزعا زهور «الوزال» الصفراء، بينما تعالى من العش المجاور صراخ عصافير صغيرة طارت أمها بحثا عن الغذاء ولم تعد.. ربما اغتالها قراصنة الفضاء.. ربما..

لبنان الذي تعودنا أن تنطلق من ليالي صيفه أغنيات «الدبكة» و«الميجنا» والموال لا يسمع في فضائه اليوم سوى هدير الطائرات وزمجرة الصواريخ وبكاء العصافير.. لبنان يحترق، والدموع لا تكفي لإطفاء الحرائق!.. وتطوف بك كاميرا القنوات الفضائية على أحزان القرى الجنوبية، وصمت الحوانيت المغلقة في شارع الحمراء، ولوحات النيون المطفأة في «جونية»، وأنين السنديانات في الجبل، فتبكي قبل أن تتذكر من جديد أن الدموع لا تكفي لإطفاء الحرائق!

وينطلق صوت فيروز حزينا عبر التلفاز يغني:

«وبليل كلُو ليل

سال الحقد بفيٌة البيوت

والإيدين السودا

خلعت الأبواب

وصارت البيوت بلا أصحاب

بينن وبين بيوتن

فاصل الشوك والنار

والإيدين السودا

ومع الذين يشبهون لبنان بطائر الفينيق الأسطوري الذي ينبعث من تحت الرماد في كل مرة يظن فيها أنه لن يعود، كل الصواب، فهذا البلد الحضاري، بلد فيروز والرحباني وجبران ظل على الدوام قادرا على استحضار الضوء من رحم العتمة، وعلى انتشال الفرح من براثن الخوف، وعلى زراعة الأمل في مشاتل اليأس، وستتكشف سحب الصيف المثقلة بالبارود ورائحة الموت، وسيلوح رغم أنف الغسق وجه لبنان من جديد.

[email protected]