عروبة لبنان؟

TT

فتحت إسرائيل طرق الخروج من لبنان وأغلقت جميع سبل العودة واحدا واحدا. دمرت البوابات والنوافذ ومن ثم الثقوب. وقطعت شرايينه الاقتصادية والحياتية واحدا بعد الآخر. وعندما بدأت حرب لبنان العام 1975، بدأت في الفنادق. أي من رئة لبنان، ومن اجل أن يكون عنوان الحرب الكبرى الآن واضحا للجميع: لا لبنان بعد اليوم.

وفي كل صيف كان لبنان يحترق ويهجَّر. أو قبل الصيف بقليل. وذلك لياقة مع الزائرين من أجل أن يتدبروا أمرهم. فبعض أبناء المسؤولين الخليجيين مثلا، يمضون الصيف في نهاريا. وللأسف أنها قصفت هذه المرة. ولا نعرف أين سيكونون، بالثياب الوطنية، لأن الجرأة والشجاعة والنبل تتطلب منهم ألا يتخفوا في شوارع نهاريا بثياب غير خليجية.

سوف يقول البعض، ما هذا السخف؟ ما هو موسم سياحي أمام المجازر والمصير وتشريد الآلاف؟ وهو سؤال جوهري وضمائري ووجودي. ما هو موسم سياحي لن يزيد كثيرا في فقر اللبنانيين أو في غناهم؟ ولكن نحن لا نستسخف فقط مواسم السياحة. نحن لا يهمنا أيضا مشهد المشردين والمعذبين والأطفال ومواكب الموت، ما دمنا سنقول إن إسرائيل ارتكبت المجازر. ثمة تقليدان لا يتغيران في هذا الشرق، أوسط أو أدنى أو بين بين، موقف إسرائيل من الضحايا العرب، وموقف العرب من مجازر العرب. فريق يرمي وفريق يحصي. وكلاهما لا ينظر إلى النفس البشرية إلا كونها وسيلة في صراع، وسيلة مجانية، يملكها الأول بالاغتصاب والثاني بالاحتقار.

لذلك تعامل الجنازات في العالم العربي على أنها مجرد سلاح إضافي لمرة واحدة مثل القذيفة التي أفرغت، وتعامل الجنازات العربية في إسرائيل على أنها هدف عسكري أسقط. فالمدنيون لا حساب لهم، لا كقتلى ولا كمشردين ولا كمعاناة لا نهاية لها.

في هذه الحالة الأقصى من الحزن، تبدو عروبة لبنان في مرحلة جديدة: تطاردها الجريمة الإسرائيلية ويتلقفها الاحتضان الإيراني. وهذا هو الجديد الوحيد في مأساة لبنان ومحاولة تغيير جوهره وأصوله. فالجامعة العربية سلمته إلى مجلس الأمن ومجلس الأمن رماه إلى مؤتمر الثمانية في موسكو، والثمانية دخلوا إلى الحمام الجماعي وغسلوا أيديهم. وكان على اللبنانيين وهم يشهدون تفتت بلدهم على هذا النحو، أن يتساءلوا: هل هذا مصير عروبة لبنان، ما بين الجريمة الإسرائيلية والاحتضان الإيراني؟ أم أن لبنان آخر سوف يتكون بعد أن يتنبه العالم إلى أن دولة تمحى وشعبا يباد وتهدأ معركة الأنقاض؟ يقول فؤاد السنيورة إن لبنان في حاجة إلى نصف قرن ليقوم. وهذا قول المتفائلين. الحقيقة انه يضرب لكي لا يقوم.