فرصة سوريا الثانية.. وربما الأخيرة

TT

في حرب أمريكا ضد صدام كانت هناك فرصة لسوريا ان تحقق المكاسب التي كانت تعد لها من خلال استضافتها لمعارضة صدام لسنوات طويلة، فرصة جني ثمار ما زرعته سوريا طوال معارضتها لنظام صدام، لكننا فوجئنا بأن سوريا قررت غير ذلك، وكما ذكرت في مقال سابق، كانت كالصائم الذي أفطر قبل غروب الشمس بلحظة، فبدلا من ان تنتصر لأصدقائها من معارضي صدام ويكون لها نفوذ غير مسبوق في العراق الجديد، قرر القائمون على الأمر في دمشق التخلي عن الفريق المنتصر، وقاموا باستضافة ودعم الفريق المهزوم المتمثل في انصار صدام، ربما هذا موقف اخلاقي محمود، او ان سوريا تفضل مناصرة المغلوب لا الغالب Supporting the underdog، لكن حسابات الدول لا تحسب بهذه الطريقة، كانت لسوريا فرصة لترتيب اوضاعها مع الولايات المتحدة الامريكية حسب شروطها، كان من الممكن لها الخروج من قائمة الدول الراعية للارهاب كعربون حسن نية، وكان لها ان تطالب بالعودة الى مفاوضات 1998 الخاصة بالجولان والتي كادت ان تصل الى حل، لتدفع امريكا بالضغط على اسرائيل بقبول الشروط السورية او على الاقل الوصول الى حل يرضي دمشق، ولكن سوريا تركت الفرصة تمر، وبدأ الحديث عن الفرص الضائعة والبكاء على اللبن المسكوب فيما بعد.

هذه الأزمة تفتح نافذة فرصة اخرى لسوريا لتعديل وضعها واعادة ترتيب اوراقها، وهنا اطرح طرحا جادا اتمنى ان يأخذه الامريكيون والسوريون مأخذ الجد.

بداية أوجه حديثي الى الامريكيين واقول بان نفس المعطيات التي تراها واشنطن على انها سلبية في الموقف السوري، هي نفسها نقاط قوة سوريا. نقاط ايجابية اذا ما تعاملت واشنطن مع الامر بحكمة، فالسلبي هنا بالنسبة لواشنطن هو ان لسوريا علاقات خاصة مع ايران، ولها علاقات خاصة مع حماس، ولها ايضا صداقة مع شيعة لبنان من حزب الله الى نبيه بري وحركة أمل، ولها دور سلبي في العراق الجديد. ذات الامور السابقة يمكن تحويلها الى ايجابية في العلاقة مع واشنطن بمعنى انه يمكن لسوريا ان تصبح بوابة خلفية للمحادثات مع طهران، كما يمكن لسوريا ان تكون اداة ترويض لحزب الله وحماس، كذلك يمكن لسوريا ان تكون عنصر استقرار لا عنصر اثارة قلاقل في العراق، ولكن السؤال هو كيف؟!

منذ فترة وواشنطن تتعامل مع دمشق عن طريق سياسة العصا الغليظة، ولم تقدم لسوريا اي جزرة.

ما هي هذه الجزرة التي يمكن تقديمها لسوريا الآن؟!

بغض النظر عما يقال عن تحالف ايراني سوري او تحالف سوريا مع حزب الله، فان مربط الفرس هو ان سوريا تحتاج الى هذه التحالفات للحفاظ على أمنها واستقرارها الداخلي ليس إلا. اذن اذا ما قدمت واشنطن حزمة من المكافآت التي تمنح سوريا ضمانا لاستقرارها داخليا، فأنه من المؤكد ان سوريا ستفك ارتباطاتها بحزب الله وايران وحماس، فبوليصة التأمين التي يقدمها هذا التحالف لبقاء النظام السوري واستقرار سوريا لن تساوي على الاطلاق الضمانات التي تقدمها امريكا واوروبا.

ما هو أول عناصر بوليصة تأمين النظام؟ أولها هو استعادة كرامة النظام الوطنية عن طريق قدرته على استرجاع الجولان السورية، منح النظام سيادة كاملة على ارضه هو افضل ضمان لحفظ كرامة النظام في نظر مواطنيه وأكبر دعامة للاستقرار.

الطريق الى هذا عن طريق حديث مباشر بين واشنطن والعاصمة السورية، وعن طريق اصدقاء سوريا وامريكا المشتركين في العالم العربي. البداية هي عملية فك ارتباط بين الملفات العربية والملفات الفارسية في المنطقة، الملفات العربية، هما اثنان لا ثالث لهما: فلسطين والجولان، اذا ما تم فك الارتباط ما بين القضية الفلسطينية وقضية حزب الله، وقضية ايران، وفصل قضية الجولان وشبعا عن الملف اللبناني الحالي، قد يمكننا الحديث بشكل عملي عن الحل!

أما خلط الاوراق ففيه قصد للخبطة والتشويش وادارة للصراع لا حله.

اما ما يمكن قوله للسوريين فيبدأ من خروجهم من عقلية المشاكل، اذ يبدو ان هناك قناعة في دمشق بأنه «كلما كانت سوريا صعبة ومصدرا للمشاكل، كلما اهتم بها العالم عموما وامريكا والغرب خصوصا» لذلك نجد ان دور سوريا اليوم تحول من الدور البناء الى دور وضع العصا في العجلة (أو في الدولاب كما يقول أهل الشام)، وعلى السوريين ان يدركوا بأن اوراق اللعب لديهم اليوم كثيرة، ولكن الاحتفاظ بهذه الاوراق لا يعني شيئا عند نهاية اللعبة Game، الحصافة هي ان تلعب اوراقك كلها وقت الحاجة، اما مجرد الاحتفاظ بها فهو نوع من عدم القدرة على اتخاذ القرار او الجرأة على اتخاذ قرارات مصيرية في وقت صعب وحاسم في ذات الوقت. نفس «الكروت» الملعوبة يمكن ان تصبح «كروتا» محروقة في لحظة.

سوريا الآن لديها كثير من الاوراق في هذه الازمة، أو على الاقل يظن الخصم ان لديها اوراقا، فلها ان تلعبها او ان تخدع الخصم بأن هذه الاوراق حقيقية فيقرر التنازل عن مكاسبه في اللعبة. انا لست من هؤلاء الذين يظنون ان في يد سوريا كل الاوراق، ولكنني اعرف ان خصومها يظنون ان لديها اوراقا مهمة، وهذا كاف لكي تخرج سوريا فائزة بشيء من المكسب.

التحالف السوري ـ الايراني لا يمكن ان يقيد سوريا كثيرا، خصوصا في ظل تصدع حقيقي في العلاقات بين الدول العربية الفاعلة وايران، وان مسألة التوازن التي كانت سوريا تلعبها ربما لن تكون مقبولة في الفترة القادمة، وعلى الغرب والعرب معاً ان يعرفوا بأن علاقة سوريا بايران ليست زواجاً كاثوليكياً قدر ما هو زواج متعة.

اذا كان هناك معسكران، احدهما فارسي والآخر عربي، فان خيار سوريا ربما يكون الخيار العربي. قد يبدو للبعض ان هناك رابطة طائفية بين النظام في طهران والنظام في دمشق، لكن هذه الرابطة أقل بقليل من رابطة سوريا بعروبتها. سوريا تكسب كثيرا اذا ما انحازت الى المعسكر العربي، وتخسر الكثير اذا ما انحازت الى المعسكر الفارسي.

لبعض الدول العربية الكبرى كمصر والسعودية دور أساسي في استمالة سوريا الى الصف العربي واقناعها بالفصل بين الملفات العربية الحقيقية والملفات الفارسية. سوريا اليوم تقف بين محتلين لاراضي العرب، ايران التي تحتل الجزر الاماراتية واسرائيل التي تحتل الجولان والاراضي الفلسطينية، كما ان العرب الآخرين ايضا يقفون ما بين ثلاثة احتلالات، امريكا التي تحتل العراق وايران التي تحتل الجزر واسرائيل التي تحتل فلسطين.. فأي الاحتلالات افضل بالنسبة لسوريا.. احتلال اسرائيل ام احتلال ايران ام ان كليهما مرفوض؟

اذا ما استطاعت سوريا رؤية النافذة الحالية المفتوحة بوضوح لتحقيق اكبر كم من المكاسب، فربما لن تتكرر هذه الفرصة مرة اخرى.