لا داعي للأطباء

TT

ذهب جميع العرب إلى مدريد، فقابلهم اسحق شامير بالانسحاب من المؤتمر لأنه يريد أن يصلي السبت في القدس. وذهب ياسر عرفات إلى جنازة اسحق رابين وأدى التحية العسكرية، ورفض بنيامين نتانياهو أن يقابله أو يجتمع إليه حتى في حضور بيل كلنتون. وتفاوض أنور السادات مع إسرائيل على سيناء ومساحاتها لكنها حاولت أن تقضم منه طابا. وذهب السوريون يفاوضون على الجولان لكن ايهود باراك أصر على الاحتفاظ بعشرة كيلومترات من الأراضي السورية في حوض طبريا.

وعندما سئل أبو عمار لماذا لا تتنازل عن 5% لإسرائيل وتحل المشكلة، قال كنت اطرح السؤال أنا أيضا. لماذا تريد إسرائيل أن تأخذ مني كل الأرض زائد 5%.

لم تثبت إسرائيل مرة واحدة أنها تريد السلام حقا. وأنها تريد أن تعيش مع جيرانها كدولة متساوية وليس كدولة متفوقة على مجموع العرب. ففي كل مرة عرض عليها السلام ردت بالتعالي والازدراء والاحتقار.

وكلما تقدم الفلسطينيون خطوة كانت تتراجع أميالا. لقد حاصرت ياسر عرفات، محاورها الأول، طوال عامين في قفص مهدم. ومن هذا القفص ولدت حماس. وعرض عليها الخروج من لبنان عن طريق القرار 425 لكنها ظلت تقاتل عقدين إلى أن خرجت العام 2000 تحت جنح الظلام.

لقد تحولت من دولة «جيش الدفاع الإسرائيلي»، الاسم الذي لم يصدقه احد في أي حال، إلى دولة يقصف جيشها المقعدين الفلسطينيين بالصواريخ. ويقصف المعوقين اللبنانيين بالصواريخ. ويدمر المدن والبلدات والجسور ويفتتها كما كان النازيون يدكون المباني فوق مدنيي أوروبا ونسائها. وأمام هذه الهيستريا المعلنة فقد الجيش الأسطوري أعصابه أمام حزب مقاتل. وفقد ايهود اولمرت وعيه فراح يدمر كل ما هو جامد وكل ما هو متحرك في لبنان. ومن اجل أن يسترد جنديين مخطوفين شرد مليون لبناني وقتل الأطفال كالطرائد، فيما جورج بوش منهمك في رسم خريطة الطريق. أو ما بقي من خرائط. أو طرق، في هذا الشرق الأوسط الجديد الذي يطرز بجثث الأطفال وصراخ الآباء الذين يحملونها: «لا داعي للأطباء. لم يبق احد على قيد الحياة».