ليلة إيرانية في نيويورك

TT

قبل ليال ثلاث دارت معركة في نيويورك، هي الأصل في رحى الحرب الموجعة في تلال لبنان وسهوله. معركة الملف النووي الإيراني، الذي كنت أتوقع أن يؤجل أو يضعف الأعضاء فيتبنون قرارا مهادنا، خاصة أن ليلة الاجتماع جاءت في أعقاب ليلة المذبحة البشعة في قانا، التي أضعفت الجانب الآخر.

أيضا جاء الإيرانيون إلى نيويورك بعد أن استعرضت سلطتهم قدرتها على أن تحرك المنطقة من على بعد ثلاثة آلاف ميل من عاصمتها. وأثبتت لأعضاء مجلس الأمن أنها من يضغط على أزرار إقليمية مهمة في العراق وفلسطين ولبنان. ورغم هذا كله كانت النتيجة هزيمة كبيرة لطهران في مجلس الأمن بإدانة مبكرة من كل الدول، باستثناء قطر التي عودتنا على الرياء والازدواجية، ويجب أن تلام على كثير من الفوضى وإشاعة العنف في المنطقة. ولولا قطر لما وجد بن لادن والظواهري وقتلة العراق، والشكر لها هي من يهيئ الآن حزب الله، وهي من يبيع الدعاوى الإيرانية للعرب.

وقطر دليل حي على أبرز سياسات أميركا الخرقاء. فالغريب أن هذه الدولة العظمى لا تخشى مواجهة الأخطار في دول كبيرة كالعراق، أو سورية، أو ايران، أو تنظيم القاعدة، لكنها تتخاذل أمام رفاقها الذين يلحقون بها وبالمنطقة أضرارا خطيرة فقط لأنهم يؤدون لها خدمات صغيرة.

غريب جدا أن ترى الأجهزة الأميركية تلاحق دولا وتضيّق عليها بسبب واعظ في صنعاء، أو تاجر في جدة، أو جمعية خيرية في الكويت، أو مدرسة في باكستان، وتغض النظر عن بلد يحرك ويحرض ويساعد على تجنيد آلاف الشباب للالتحاق بالقاعدة، والآن إيران، كل ذلك يدور عشر سنين متواصلة خربت المنطقة. انها خيانة زوجية صريحة جعلت كل دول المنطقة تضحك على الولايات المتحدة منذ زمن بيل كلينتون وحتى اليوم.

وعودة إلى ليلة الملف النووي الايراني، أقول إن الموقف كان مثيرا للانتباه، لأنه وعلى غير المألوف جاء الاتفاق جماعيا، تقريبا، حتى الصين وروسيا وفرنسا صوتت ضد طهران، وهي التي عرف عنها محاولاتها إرضاء إيران في السابق.

باتت الرسالة واضحة على إيران أن توقف تخصيبها وإلا ستتعرض لعقوبات دولية. بعد شهر من الآن سنرى إن بقي لدى إيران المزيد من الأرانب لوقف القرار الدولي المقبل، لكن يبدو أن ساعة الرمل قد نفدت بالتسويف والاغراءات والتهديدات.

وعلينا أن نفرح بذلك، لأن خيار عقوبات الامم المتحدة أفضل من غيرها، لأن المنطقة لا تحتمل المزيد من المغامرات الأميركية، ولا الحروب الجانبية أو بالوكالة. ولم يتبق إلا وضع إيران أمام مسؤوليتها ومحاسبتها دون تحريك جيوش. والعقوبات الاقتصادية ان لم تمنع إيران من تطوير أسلحتها النووية، فعلى الأقل ستجعلها تدفع ثمنا باهظا لها ليس لوقف القنبلة الإيرانية، بل من أجل ردع بقية الدول المتفرجة التي تريد توسيع دائرة العنف التدميري.

[email protected]