الواضح.. والمطلوب توضيحه

TT

أما وقد دخلت حرب اسرائيل على «حزب الله» ـ بالاسم ـ وعلى كل لبنان ـ بالفعل ـ اسبوعها الرابع، باتت بعض فصول المخطط الاسرائيلي واضحة بحيث يصعب فصلها عن الرؤية الاميركية لشرق اوسط «آخر» احتارت ادارة الرئيس جورج بوش في استنباط تسمية مناسبة له اكثر مما احتارت في كيفية تسويقه.

مع الاسبوع الرابع للحرب الاسرائيلية على لبنان بات واضحا ان اسرائيل تسعى لاحتلال شريط حدودي في جنوب لبنان ... ليس للمفاوضة على قوات دولية بل للمقايضة على سلاح «حزب الله» وبالتالي على وجوده كتنظيم مصنف «إرهابيا» في واشنطن ولندن.

قديما قيل: «إن شئت ان تطاع فاطلب المستطاع»... والمستطاع اليوم في لبنان، بعد المجازر الاسرائيلية اليومية ومشاهد الدمار والخراب، هو تحكيم الدبلوماسية في النزاع اللبناني ـ الاسرائيلي انطلاقا من وقف عاجل، لا آجل، لاطلاق النار.

أما لماذا عاجل لا آجل ... فلان عيون اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية والاميركية، وآذانها، غير غافلة عن ردود فعل الشارع الانفعالية على صور المجازر الاسرائيلية اليومية والتي تنعكس حقدا متزايدا على اسرائيل وعلى «غطائها» الدولي، الولايات المتحدة، وعطفا متنام على «حزب الله»... ليس في لبنان فحسب بل في العالم العربي ايضا.

إذا كان تعميق التطرف الاسلامي في الشرق الاوسط هو شعار الحرب، فلا جدال في ان التواطؤ الاسرائيلي ـ الانكلوسكسوني حقق في اسبوعين «انجازات» عجز المتطرفون أنفسهم عن تحقيقها في سنوات.

واضح ايضا ان جورج بوش وتوني بلير والجيش الاسرائيلي يتحركون باتجاه واحد في لبنان. وإذا كانت الذريعة المعلنة لها «التحرك» تأكيد سيادة لبنان على كامل اراضيه، فقد تكون الحصيلة النهائية للحرب، في حال استمرار اضعاف موقع الحكومة اللبنانية، تسليم هذه السيادة ولو بصورة غير مباشرة، إلى اسرائيل، وفي حال خروج «حزب الله» غير مهزوم من الحرب، اعادة تسليمها الى سورية، وعبرها إلى ايران.

واضح ايضا ان التعجيل باتخاذ قرار بنشر قوات دولية في جنوب لبنان من شأنه التعجيل باقرار وقف سريع لاطلاق النار، الامر الذي قد يحرم آلة الحرب الاسرائيلية من تحقيق الاهداف التي وعدت نفسها، والادارة الاميركية، بالتوصل اليها خلال العشرة ايام التي طلبتها لتغطية حربها على لبنان.

ولكن سير العمليات العسكرية في الجنوب اللبناني والمقاومة الشرسة التي تواجه قوات الاحتلال الاسرائيلية ـ وهي عمليا محك المواجهة ـ قد تضطر اسرائيل الى طلب تمديد آخر للمهلة المطلوبة ... فهل بمقدور اقتصاد اسرائيل وسمعة الولايات المتحدة تحمل المزيد من المماطلة في اقرار وقف اطلاق النار؟

واضح ايضا ان «الشرق الاوسط الجديد» ـ الذي كاد ان يولد سفاحا لو لم يصل التأييد الاميركي لاسرائيل في الحرب على «حزب الله» حد التواطؤ معها ـ أصبح رهين النفوذ الاسرائيلي في المنطقة، فبعد تحييد مصر (باتفاقية كامب ديفيد) وشرذمة العراق، وعزل سورية... لم تعد ثمة حاجة الى شرق اوسط عربي ـ مهما كانت التسمية الاميركية المختارة له. فمن تحصيل الحاصل ان «النفوذ» الاسرائيلي أصبح مرشحا لملء الفراغ «العربي» في المنطقة.

لكل هذه الاسباب، وقبل ان تحول اسرائيل لبنان الى قاع صفصف، بات على الولايات المتحدة دعوة اسرائيل الى اعادة تقويم ابعاد حربها الضروس، اسرائيليا واميركيا معا، فاذا كانت اسرائيل تتطلع فعلا الى حماية حدودها الشمالية من صواريخ «حزب الله»، فالحماية الافضل لن تكون في اعادة احتلال شريط حدودي لا بد ان يعيد انتاج حركات مقاومة إضافية، وربما اشرس، للاحتلال بل في وقف القصف العشوائي لاهداف مدنية في لبنان والعودة عن سياسة الارض المحروقة في الجنوب واعطاء الولايات المتحدة الضوء الاخضر لطلب وقف اطلاق النار... وبعدها البدء بالتفاوض على تبادل الاسرى واعلان الاستعداد للانسحاب من مزارع شبعا تمهيدا لعودة البلدين (لبنان واسرائيل) الى الالتزام الكامل باتفاقية الهدنة الموقعة عام 1949.