بلد الهجرات والمهاجرين

TT

دأبت في بعض السنوات الماضية، في مثل هذه الايام، ان أكتب سلسلة بعنوان «حكايات للصيف». كان الهدف من حصر تلك الزوايا تحت عنوان واحد، الصيف، تبرير الابتعاد عن السياسة، ومجانبة الجد والكآبة والهم والغم، فيما معظم القراء في اجازاتهم، هاربين من الحر والقر واخبار البلاد وأحوال العباد، وبرامج شد الشعر او شد الصلعات البهية، او شد أي شيء متوافر، في استديو الفكر العربي الحديث والنهضة العربية المعاصرة.

في الصيف التالي اكتشفت ان احد الزملاء الناشئين سطا، في وضح النهار، على عنوان «حكايات للصيف»، مع ان الولد العزيز في سن شابة لم تصل بعد الى عمر الحكايات والذكريات وهات يا عم خبرنا عن ماضي الايام ومواضي الزمان.

وهكذا غيرت العنوان في العام التالي، الى «كتابات للصيف» وجلست اترصد الأعمدة الناشئة! غير ان حدثا حزينا جدا قطع علي الحلقات وما فيها من دعابات وخفة. وصيف. وفي الصيف التالي تكرر العنوان وتكرر الحزن وتكرر قطع السلسلة. وقبل ان افكر او اقرر هذا العام، سبقت الكارثة في لبنان، وكان حزنا.

أي سلسلة اكتب اذن؟ ماذا يمكن ان يكون «الحل الوسط»، بين ان يكون الكاتب لبنانيا لا يليق به المفاكهة في هذه الظروف وبين ان يكون كاتبا في صحيفة متعددة القراء والأذواق، يقرأها السودانيون في لوس انجليس، والكويتيون في النمسا، ويرد فيها رئيس الدولة في موريتانيا على كاتب المقال بالقول للزميل حاتم البطيوي: «لا لن اكون سوار ذهب آخر». دعهم يتفلسفون، او شيء من هذا القبيل. يدرك الكاتب انه لا يستطيع ان يرضي جميع الناس. فقد غضب مني مثلا، صحافي صغير في صحيفة خليجية محترمة، لأنني أشرت الى ان ابناء بعض المسؤولين يصطافون في اسرائيل بوقاحة موصوفة. وهب هذا يدافع عن مصطافي اسرائيل. واعتبر نفسه أهين، هو ومصطافو نهاريا. ولذا راح يسبني بكل ما أوتي من خلق.

يجب ان تقبل الجهل كما تقبل النعم. وفي طليعتها المعرفة. ولله حكمته في من يمن عليهم بالأدب وفي من يحرمهم. وفي أي حال، لم يكن همي هذا الصيف محامي نهاريا، وانما العثور على فكرة لا تبعد لبنان عن البال. ولا تثقل كثيرا على القراء العرب غير اللبنانيين، في يومياته البائسة. وعادت الي فكرة قديمة طالما راودتني، وهي الكتابة عن هجرة اللبنانيين الاوائل ومغامراتهم الملحمية في البحار والمحيطات، وكيف نجح بعضهم في المال والفن والأدب. وذهب بعضهم الآخر الى بلاد الاسكيمو يتاجر... بالفراء. وسوف احصر ذلك في مهاجري اميركا. والا اتسعت الدائرة كثيرا. وكان علي ان اخصص مجلدا فقط للبنانيي مصر الذين ذكرهم احمد عبد المعطي حجازي في «الأهرام» (26/7/2006) بكل محبة ورقي.

الى اللقاء