نصر الله والمقاومة والواقعية

TT

عندما خاطب حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله مستمعيه في خطابه الأخير والذي فند فيه بعض المواقف وتطورات المعركة مع اسرائيل، كانت اشارته اللافتة أن «من أراد أن يعيننا ويساعدنا فليساعد على وقف اطلاق النار»، وهذا الجملة الحكيمة تشير بوضوح الى أن المقاومة أدركت أن هناك واقعا لا يمكن اغفاله وأن بطش وجبروت اسرائيل المدعومة بعنجهية عالمية وانكار دولي، وهذا الواقع يحتم التعامل مع المعطيات على الارض، وأن يكون هناك فارق عملي بين المقاومة الحكيمة والمدروسة وبين الانتحار العنتري (مهما كانت الاسباب والمروجات لتلك الأسباب مقنعة!). واقعية حسن نصر الله مع مقاومته العملية تفوقتا على من يطالبون باستمرار سقف المقاومة (الانتحاري) والذي لا يعنيهم بصورة مباشرة، ولكن تحسب التفوقات العسكرية في حصيلتهم السياسية (وطبعا يتجنبون هم أيضا فاتورة تكاليف الموتى والدمار والخراب والشتات لأنه من طبيعة الحال أن تكون من مصلحتهم التركيز على الجانب الايجابي فقط). عندما يكون هناك ملاكمان في الحلبة أحدهما مدجج بالعضلات واللياقة البدنية الفائقة والآخر مغمور، في حالة استمرار المنازلة بينهما للجولة الخامسة عشرة يكون الملاكم المغمور هو المنتصر. هذا هو حال حزب الله مع اسرائيل، وقف اطلاق نار الآن يحقق «مكسبا» معنويا مهما، والاستمرار في هذه المعركة الى ما لا نهاية يزيد من امكانيات الدمار واعداد القتلى وكتائب الجرحى. تدخل ايران الاخير في صميم الشأن اللبناني برفض مقترحات وقف اطلاق النار هو تهييج للطائفية اللبنانية وتأجيج لمشاعر لم يعد من الممكن قبولها ولا تحملها، والأهم هو تدخل صريح وسافر في قلب شأن لبناني بحت لم يعد من الممكن السماح لدول خارجية استمرار اللعب في مصيره. لبنان والمقاومة فيه تحديدا بحاجة ماسة لصوت العقل وليس لمتفرجين ومشجعين مدرجات الثالثة الذين لا يدفعون فواتير ولا يتحملون أتعاب ما يحدث غالبا.

سقف الكلمات الأخير الصادر من أمين عام حزب الله يوضح أن هناك تعاملا مغايرا مطلوبا الأخذ به حين التعاطي مع شأن بالغ الأهمية ومليء بالعواطف كشأن المقاومة مع العدو الكبير اسرائيل، ففارق كبير بين الوقوف في المدرجات والصراخ بأعلى صوت بالروح والدم نفديك يا حزب الله، والجميع يشاهد حزب الله يغرق وحيدا في أوحال العدوان المدمر، وفارق بين محاولة «الحفاظ» على الانتصارات المعنوية والمكاسب النفسية وما يتبقى من شعب وكيان وبنية تحتية. صوت الحكمة انطلق في كلمات حسن نصر وطلبه التعاون في وقف اطلاق النار مطلب عقلاني جدا وعلى المطبلين خارج الملعب الامتناع عن «الازعاج» فأرض المعركة لا تتحمل ذلك.

[email protected]