دموع السنيورة والتلفزيون الإسرائيلي

TT

عمد مقدمو برامج اسرائيليون إلى الاتصال برئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة، بعد أن ادعوا أنهم من مكتب رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير، وهزأوا من دموعه التي ذرفها أمام الشاشات خلال إلقائه كلمته في اجتماع وزراء الخارجية العرب الاثنين الماضي في بيروت.

انتحال صفة رسميين للإيقاع برؤساء وشخصيات، أمر سبق لبرامج كوميدية ساخرة في إذاعات ومحطات وفي أكثر من دولة أن اعتمدته، ومن بين من سقطوا في الفخ الرئيس الكوبي فيدل كاسترو.

ما حدث مع السنيورة في هذا الظرف يستحيل إدراجه في هذه الخانة السمجة أصلا.

فما أقدم عليه التلفزيون الاسرائيلي لا يمكن وصفه إلا بأنه نوع من القرصنة المعلنة والبذاءة التي ما أن يباشرها إعلام حتى يمكننا أن نقدّر درجة الحنق التي يكابدها. فما الذي يدفع وسيلة إعلام في دولة إلى اعتماد أسلوب على هذا القدر من الابتذال، ضاربة قواعد العلاقة بين الإعلام وبين المتلقي والأهم بين الإعلام وبين المادة التي من المفترض أن تكون بين يدي الإعلاميين، في ظرف عصيب وعلى هذا القدر من الخطورة!.

حين أدرك السنيورة الفخ الذي نصب له أقفل الخط فما كان من المقدم الاسرائيلي إلا أن قال لزميله وهو يضحك «ربما كان ينبغي أن أقول له إنني بلير شخصياً». الاساءة الحاصلة هنا تطال بشكل كبير بلير أيضاً، إذ يبدو أن اختيار بلير لانتحال صفته نابع من شعور هذا الصحافي أو المقدم أنه يمكنه أن يفعل ذلك مع رئيس وزراء بريطانيا وليس مع رئيس حكومة دولة أخرى لأسباب معروفة.

بالإضافة إلى كون ما اقترفه التلفزيون الاسرائيلي من اساءة إلى المشاهد، ينمّ هذا التصرف عن انحراف خطير يضاف إلى الانحرافات الاسرائيلية التي لا حصر لها.

أن تضع وسيلة إعلامية نفسها في خضم اساءات في كل الاتجاهات في سياق معركة يخوضها جيشها ودولتها نكون هنا أمام العبارة العربية الشهيرة التي يعاني منها الإعلام العربي نفسه وهي، «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة». التصرف المشين للتلفزيون الاسرائيلي يقتبس الكثير من معاني هذه العبارة بل يتجاوزها. فبذاءة التصرف في عرف هذه الوسيلة يمكن تجاوزه في سياق المعركة مع لبنان.

أما دموع السنيورة التي كانت مثار سخرية التلفزيون الاسرائيلي، فهي أثارت الكثير من ردود الفعل. من انتقد دموع رئيس الحكومة اللبنانية كان غالباً ما ينتفض لثقافة تزدري الدموع والإقرار بالضعف بصفته شعوراً بشرياً وتفضل على ذلك صرخات الوعيد والتهديد.

أما من تعاطف مع السنيورة فقد شعر أن تأثر الرجل كان بمثابة وجع انساني حقيقي وسط هذا السيل من الدم والدمار. وربما هذا ما دفع قناة «العربية» إلى إعادة توليف مشاهد لحظة تأثر السنيورة بصور معبرة للمأساة اللبنانية.

ما اقترفه التلفزيون الاسرائيلي شكل إهانة كبيرة، لكن هذه الأهانة تصيب في الدرجة الأولى الإعلام الاسرائيلي وهي أيضاً تصيب طوني بلير وربما كان السنيورة أقل المتضررين.

diana@ asharqalawsat.com