السياحة الأخلاقية

TT

أخذ بعض السياح الغربيين يعانون من عذاب الضمير وهم يرون الفقر المحيط بفنادقهم الوثيرة في دول العالم الثالث السياحية، والدعارة التي يمارسونها في بعضها والتلويث البيئوي الذي يسببونه كلما حلقوا بطائراتهم الجامبو او طافوا في المواقع التاريخية والشواطئ البريئة. وبالطبع لاحظ وكلاء السفريات والسياحة هذا الشعور بالإثم في زبائنهم فخافوا على مصالحهم من الكساد وتراجع المهنة. بادروا الى تصميم سفرات تهدهد الضمير المعذب.

هناك الآن سفرات سياحية تتضمن تقديم بعض الخدمات لأبناء المناطق المضيفة، مثلا قيام السائح بإعطاء دروس مجانية للغة الانجليزية او الخدمة في المستشفيات اذا كان السائح طبيبا او ممرضا، او المشاركة في بناء المساكن والمدارس وحفر القنوات اذا كان قوي البنية مفتول العضلات.

ذكر بعض وكلاء السفريات انه وجد الأطفال في كمبوديا يلاحقون السياح الانجليز لا طمعا بالصدقات او الشكولاته وانما ليقرأوا لهم شيئا باللغة الانجليزية ويعلموهم كلمة او كلمتين منها. الحقيقة انني أعتبر عقد الندوات والمؤتمرات والمشاركة فيها نوعا من هذه السياحة الاخلاقية. فنحن نشارك فيها عارفين تماما ان ما سنقوله لن يغير أي شيء او يعبأ به أي انسان، ولكننا نكون اثناء ذلك قد تفرجنا على البلد وذقنا أطايب طعامه واستمتعنا بفنونه ونحن نطيب ضميرنا بأننا قمنا بشيء مفيد.

اقول مثل ذلك عن كل هؤلاء الانتحاريين الذين يفدون من اقاصي الارض الى العراق وغير العراق. يتفرجون على البلد ويذوقون لذائذ أكله من كبة وكباب ومحشي، ويزورون العتبات المقدسة لدى الشيعة والمساجد التاريخية والمناطق المشهورة ثم يفجرون انفسهم ويقتلون معهم نفرا من الابرياء كثمن لهذه السياحة الاخلاقية، او اللااخلاقية إن شئت.

يأتي في إطار السياحة الاخلاقية ايضا ما يسمى بالسياحة الانيقة التي تخصصت فيها سلطنة عمان. ارتبط ما يسمى بالسياحة الشعبية وسياحات الترف «لكشري» بالضجيج والضوضاء والعربدة وتمزيق البيئة وكل ما ينم عن السوقية وسوء الذوق كمعظم الجزر السياحية في البحر المتوسط. هروبا من مثل هذا المحيط، عمدت شركات السفريات الى تبني نوع آخر من السياحة الاخلاقية لمن ينشد الهدوء والحشمة ويحلم بجمال الطبيعة وغرائب المخلوقات والمواقع التاريخية والأثرية. انها السياحة الاخلاقية الانيقة كما لمستها في بلاجات صلالة وقلاعها التاريخية.

تأتي على هذا الصعيد ايضا السياحة الدينية التي تشكل شريحة كبيرة من عالم السياحة الاخلاقية. وهذه طبعا من اقدم انواع السياحة في العالم. عرفها الانسان في بابل وأثينا والقدس وشغلت الاوروبيين طوال القرون الوسطى في ذهابهم الى روما وفلسطين. المفروض ان يحتل العالم العربي الصدارة في هذا النوع من السياحة لولا اوضاعه المضطربة. ولكنني لا اشك قط في انها ستكون مصدر ثروته الاول وازدهاره على مدى المستقبل القريب.