ما يريده حزب الله للبنان يرفضه اللبنانيون ..!

TT

قال لي أحد الذين زاروا الضاحية الجنوبية، وتجولوا فيها، بعد قرار وقف إطلاق النار، إنه لو جاء الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ورأى بنفسه ما حل بالضاحية، لأقسم بأن لا يطلق رصاصة واحدة باتجاه إسرائيل قبل دراسة مستفيضة، وقبل أن يكون متأكداً، إذا استطاع، من كيفية الرد الإسرائيلي.

قال السيد نصرالله في حديثه مساء الاحد الماضي مع «التلفزيون الجديد» (نيو. تي. في): «لم يكن لدينا اي احتمال بأن عملية الأسر ستؤدي الى حرب بهذا الحجم (...) الآن اذا سألتموني انني لو كنت اعلم بأن عملية الخطف هذه ستؤدي الى حرب بهذا الحجم فقطعاً لما فعلناها لأسباب انسانية واخلاقية وعسكرية واجتماعية وأمنية وسياسية».

طبعاً لم يشر الأمين العام الى السبب الاقتصادي. ولكن، هل صحيح ان قيادة حزبه لم تحسب مثل هذا الحساب، رغم الذي كان يجري في غزة بسبب خطف جندي اسرائيلي وقتل جنديين بأمر من خالد مشعل في دمشق. لم يقل الأمين العام ما كان يتوقعه كرد اسرائيلي على عملية قام بها حزبه خارج الخط الازرق.

في بداية هذا العام عرضت محطة «ال. بي. سي» في برنامج «بسمات وطن» مقطعاً لعب فيه احد الممثلين الهزليين دور السيد نصر الله، فانطلق مؤيدو حزب الله في الشوارع وقطعوا طريق المطار الدولية واحرقوا الدواليب، وحطموا زجاج السيارات في أحياء الطريق الجديدة، وحاولوا اقتحام عين الرمانة وشارع مونو في الاشرفية، فاسرع سياسيو كل الاطراف للملمة الوضع كي لا يثيروا حفيظة حزب الله واتفقوا على «ميثاق شرف» اعلامي.

في تلك الليلة اخاف الحزب بقية اللبنانيين الذين فضلوا عدم تضخيم تلك الواقعة، رغم دلالاتها، تجنباً لانقسامات داخلية، فهل اعتقد حزب الله بأن اسرائيل «ستلتزم» بأوامره كما التزم بقية اللبنانيين تلك الليلة؟

مقابلة السيد نصرالله كانت موجهة الى اللبنانيين وليس الى الخارج، لكن كان ينقصها الثبات، فهي تضمنت رسائل التهدئة والتهديد، وبأن كل من يتكلم عن اهداف حزب الله انما يردد ما تقوله لهم السفارة الاميركية وكوندوليزا رايس (وزيرة الخارجية) وكان هذا منتهى الاستهتار لانه، بعد حديثه ليلة الاحد، زاد قلق اللبنانيين وميلهم الى التفكير بالهجرة لأنهم لا يريدون القتال الداخلي. ذلك ان الحرب بين حزب الله واسرائيل ضاعفت من الانقسامات الداخلية اللبنانية، وشهدت المظاهرات امام السفارات الللبنانية في الخارج اصطدامات بين اللبنانيين أنفسهم.

في الداخل صار بعض الاطراف يتحدث علنا عن حرب أهلية مقبلة، وهذه اذا وقعت ستكون القاضية فعلاً على لبنان. وصار البعض الآخر يتحدث فعلاً عن التقسيم، ويبرر قصف اسرائيل للجسور في كل المناطق اللبنانية، بأنه تقسيم للبنان. ومنذ ان تم التوصل الى وقف لإطلاق النار قبل اسبوعين، بدأ الكثير من اللبنانيين الغاضبين يلومون حزب الله بأنه أعاد تفتيح الانشقاقات الداخلية لأنه قام بهذه الحرب التي دمرت لبنان فدفع كل اللبنانيين ثمناً مرتفعاً، فالاعمال توقفت والشركات اغلقت ابوابها، والمحلات تكاد ان تعلن افلاسها، وبلغت خسارة الفنادق من الغاء حجوزات السياح 84 مليون دولار، وقد يفقد المستثمرون الثقة بلبنان، اذ ما الذي يضمن ان لا يقوم حزب الله، بعد ان يعود لبنان اقتصادياً، هذا اذا عاد، بعملية اخرى تحرق المليارات من الدولارات في ايام قصيرة؟

في مقابلة مع صحيفة «الفايننشال تايمز» يوم الاثنين الماضي قال مدير مؤسسة «جهاد البناء» تابعة لحزب الله ـ «اننا نبني مجتمعاً مقاوماً». وهذا ما يطالب به حزب الله، اذ ان اقامة المجتمع المقاوم يغير من هوية «لبنان الرسالة» بشكل كامل، وفي حديثه قال السيد نصرالله في رده على ان ليس كل الشيعة معه، «ان ليس كل المسيحيين او السنّة ضدي». ويقول مدير «جهاد البناء»: «ان هدفنا هو ايجاد الشروط كي يبقى الناس في اراضيهم لمواجهة العدو». قال هذا الكلام وهو في الضاحية الجنوبية لبيروت، واذا كان هدف الحزب تحرير مزارع شبعا وثلاثة اسرى، فماذا تعني عبارة: «مواجهة العدو»، الا اذا اصبحت القضية الفلسطينية قضية شيعية او بقية اللبنانيين اعداء.

تزامنت مقابلة السيد نصرالله مع تصريحات لافتة للرئيس الايراني محمود احمدي نجاد: «ان ايران لا تشكل خطراً حتى على اسرائيل، وليس بالضرورة حل المسألة الفلسطينية عسكرياً»، وتصريحات اخرى لنائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد بأن سوريا جاهزة لاستئناف المفاوضات مع اسرائيل.

اليوم الخميس، من المفروض بايران ان تقدم ردها الى مجلس الأمن في ما يتعلق ببرنامجها النووي. ساد تفكير بأن تقترح ايران تعليق تخصيب اليورانيوم انما بعد جولة جديدة من المفاوضات بينها وبين الغرب. وايران تتطلع «بشوق» الى مثل هذه الجولة، خصوصاً ان اميركا صارت ترفض المماطلة. هناك خطر حقيقي من عملية عسكرية اميركية، تثبتها التقارير الاعلامية اخيراً، وهذا الاحتمال العسكري لم يختف نتيجة للحرب بين اسرائيل وحزب الله، وبصرف النظر عما قيل سخرية من ان اسرائيل أنقذت ايران، فان هناك مخاوف ايرانية متزايدة من احتمال هبوب رياح الحرب باتجاهها. وليس مستغرباً قيام ايران بمناوراتها العسكرية الاخيرة، واطلاقها انواعأً جديدة من الصواريخ، فهي أرادت اظهار المستوى الذي وصله نفوذها كقوة اقليمية، لكن هذا لا يمنع، من ان رفضاً كاملاً لحزمة الاقتراحات الاميركية ـ طلبت ايران ان ترفع واشنطن المقاطعة عنها ـ سيمهد الطريق امام خطر عسكري اميركي ضدها، وعلى مستوى القيادة الايرانية، لا يوجد من يتمنى ذلك. فالدرس اللبناني لا يُنسى.

اما في ما يتعلق بسوريا، فهناك الكثير من الكلام عن محاولات استئناف المفاوضات بينها وبين اسرائيل. وهناك من يؤكد ان اسرائيل تريد فعلاً الحديث مع سوريا وان القرار اتخذ مبدئياً على اعلى المستويات، وكان وزير الدفاع الاسرائيلي امير بيريتز كرر يوم الاثنين الماضي وهو يتجول في شمال اسرائيل، بأن الحرب الاخيرة في لبنان فتحت مجالاً جديداً للتفاوض مع سوريا: السبب عند الاسرائيليين ان كل المشاكل تمر عبر دمشق، ولا بد بالتالي من الحديث معها.

من جهتها ردت سوريا بأنها من اجل السيطرة على حزب الله، واعادة الاستقرار الى لبنان، فانها ليست في وارد العودة عسكرياً اليه، فهي ليست في حاجة الى ذلك، لكنها تريد ان يكون رئيس الجمهورية من اصدقائها، وكذلك رئيس الوزراء، ووزير الدفاع، ووزير الداخلية، ولا تعترض على انتخابهم ديموقراطياً، انما تريدهم ان يكونوا معها، ولا تنسى ايضاً، قائد الجيش ومدير الامن الداخلي. في حديثه دعا السيد نصرالله الى تشكيل حكومة وحدة وطنية، وهذا الطلب هو الاقل ديمقراطية في العالم، لأن حكومة الوحدة الوطنية تعني ان لا معنى لكل نتائج الانتخابات والتيارات السياسية، وهي تمنح كل وزير حق النقض، فلا يمر اي قانون او مشروع، كما ان المهزوم في الانتخابات تكون له حصة في الحكم لتعليق الوضع. قال نصرالله: «نحن جاهزون وملتزمون باتفاق الطائف، نحن مع تطبيقه واول شرط في الطائف هو تشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية لانقاذ البلد». انه يقول للبنانيين، قبل الحديث عن تجريدنا من السلاح شكلوا حكومة وحدة وطنية، هو يعرف انها ستعرقل اي طرح لتجريد حزب الله من سلاحه، كما جاء في الطائف والقصد من اقامتها شل النظام السياسي. وشل النظام يعني الابتزاز، فالوزراء لا يمررون أي قانون من دون ثمن: إما مقابل المال او مقابل التنازلات.

في المقابلة بعض من الاعتراف بالخطأ الجسيم الذي ارتُكب والكثير من التهديد: «يقولون اننا نريد بناء دولة شيعية، او اننا محور ايراني سوري (...). الاهم من كل ذلك هو القوة العسكرية، يتخوفون من سيطرتنا على البلد (...)، ما اريد قوله الى جميع اللبنانيين من «غير الشيعة في لبنان» «لا تخافوا من حزب الله ولا تسمحوا لأحد بأن يخيفكم منه».

وما يقصده السيد نصرالله بذلك، انه قادر على القيام بانقلاب والسيطرة على البلد، وانه اذا اراد فهو يستطيع ذلك! ويقول: «نحن نملك حقاً مشروعاً في المقاومة، نتابع سياسياً مع السلطة اللبنانية، وفي نهاية المطاف نحن نحتفظ بهذا الحق، فمن الممكن ان نمارسه في اي لحظة وبالتالي لا يمكنني اعطاء تطمينات لأحد». لم يقدم السيد نصرالله، لا تطمينات للبنانيين ولا اعتذار، لكنه أحب رفع المسؤولية الكاملة عنه، اذ اوضح: «ان قرار العملية لا اتخذه بمفردي فهناك قيادة سياسية وعسكرية خبيرة تتألف من 15 شخصاً تقريباً».

من المؤكد ان هذه القيادة الخبيرة فشلت في تقييمها العسكري الاخير، فهل يطلب السيد نصرالله من بعض اعضائها تقديم استقالاتهم على الاقل، مقابل التدمير الذي لحق بلبنان نتيجة اخطائهم الاستراتيجية.

طالب السيد نصرالله بدولة قوية تحمي المواطنين، ولم يشرح مفهومه لحماية المواطنين خارج السياسة الدفاعية التي ستضع كل لبنان في خانة «المقاومة».

الذي يجري على الارض الآن سيقرر وجهة لبنان، والكثير من اللبنانيين يتطلعون الى الشرعية الدولية والدعم العربي والدولي لإنقاذ بلدهم، والمطلوب منهم، قبل الهجرة، تحد ثقافي ضد البرنامج الذي يريد حزب الله فرضه على كل اللبنانيين. المطلوب من اللبنانيين ان يكونوا مختلفين، ولا ينصاعوا لسيطرة حزب واحد. وكما قال احدهم: ان حزب الله يحب الموت، لهذا اعتبر أنه انتصر في الحرب الاخيرة على اسرائيل. هو صمد ولبنان دمّر. نحن نحب الحياة، ونحب ان نعلّم اولادنا، ونحب ان نكبر في العمر ونصبح عجائز!