بيروت بيروت: «سياحة دولية» على درب الآلام ..؟!

TT

أنهى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان زيارته إلى لبنان بالقول، إن الحصار الذي تفرضه إسرائيل على اللبنانيين أمر مهين، ويمس السيادة الوطنية.

هذا الكلام لا يشكل اكتشافا ولا يحتاج إلى رحلة تشبه درب الآلام التي سلكها أنان فوق شريط التدمير الوحشي من الضاحية الجنوبية في بيروت إلى قانا وبنت جبيل ومرجعيون، لكي يعرف كيف ان هذا الحصار يزيد من المشاكل المتفاقمة في لبنان ويكبدنا 40 مليون دولار يومياً.

لكن فعل الإهانة في الحصار، لا يقتصر على لبنان وحده بل يطاول هيبة الشرعية الدولية ممثلة بالأمم المتحدة.

أولاً: لأن القرار الدولي 1701 لا يعطي الإسرائيليين أي مسوّغ لفعل هذا.

ثانياً: لأن الحصار، وفق تصريحات المسؤولين في تل أبيب يُفرض انطلاقاً من خلفية الحرص على التيقن بأن بعض بنود القرار 1701 ستنفذ من قِبَل لبنان (!) وهذا يعني أن إسرائيل أعطت نفسها حق الإشراف على التطبيق الكيفي للقرار المذكور وهو ما يشكل مساً بهيبة المنظمة الدولية.

ثالثًا: لأن كوفي أنان اضطر شخصياً إلى الحصول على إذن من تل أبيب كي يُسمح لطائرته بالهبوط في مطار بيروت.

ولا يستطيع أنان أن يقارب موضوع الحصار كما لو أنه مجرد سياسي أو زائر دولي جاء إلى لبنان، انه الأمين العام للأمم المتحدة الذي كلفه مجلس الأمن متابعة تطبيق القرار 1701. وهكذا لم يكن اللبنانيون ينتظرون منه الاكتفاء بوصف فعل الإهانة والمس بالسيادة في عملية الحصار.

كانوا ينتظرون أكثر من قوله مثلاً «آن الأوان لوقف الحصار» وهو أقصى ما وصل اليه وهو يغادر الجنوب إلى تل أبيب. كان عليه على الأقل أن يدين الحصار وان يلوّح بتحريك المنظمة الدولية بسرعة لاستصدار قرار يدين إسرائيل ويفرض عليها، على الأقل، أن تباشر بتنفيذ الأمور المطلوبة منها وفق القرار 1701 كما يفعل لبنان.

وفي هذا السياق ليس كافياً ولا منصفاً أن يحصل لبنان على إشادة من أنان، الذي قال: «ان رئيس الوزراء فؤاد السنيورة وحكومته اتخذوا خطوات مهمة جداً. فلقد أرسلوا الجيش إلى شمال وشرق البلاد. لدينا الآن آلاف الجنود في أماكن لم يصلوا اليها سابقاً. وهم ينخرطون في مشاورات جدية مع الحكومة الالمانية لاعطائهم الخبرة والمعدات بهدف حماية حدودهم البرية ومطاراتهم وبحرهم».

الانصاف يقضي في المقابل بالقول إن الإسرائيليين لم ينفذوا شيئاً من بنود القرار 1701.

لماذا؟ لأنهم لم يكمّلوا انسحابهم من الأماكن التي دخلوا اليها في الجنوب، لا بل أقاموا 10 مراكز ثابتة كما يبدو حتى الآن، وطبعاً لأنهم يفرضون الحصار البحري والبري والجوي. ولأنهم يواصلون التحليق اليومي في الأجواء اللبنانية ويقومون بالإنزالات العسكرية وبعمليات التوغل المدرَّع في الجنوب.

ولا يكفي، ان يدعو أنان «الجميع» إلى احترام وقف العمليات العسكرية الذي «يتضمن شكوكاً كثيرة»، لأن هذا الأمر مطبق من جانب اللبنانيين، لكن إسرائيل لا تقيم له وزناً، وقد قيل على هامش زيارة الأمين العام، ان تل أبيب تربط رفع الحصار باستعادة الجنديين المختطفين لدى «حزب الله». وهذا يعني أنها تعطي نفسها حق تنفيذ أحد بنود القرار 1701 بالضغط والخنق والقوة، ثم ان هذا التصرف يقيم معادلة في غاية الفظاظة لأن كل لبنان مختطف عبر الحصار مقابل الجنديّين ولأن هيبة الأمم المتحدة مختطفة أيضاً في هذا السياق.

ولقد عومل أنان في إسرائيل تماماً وكأنه مجرد سائح دولي جاء يتفقد ساحة الحرب حين أبلغه عمير بيرتس صراحة ان الحصار مستمر إلى أن يتم ضبط عمليات تهريب الأسلحة من سوريا وايران إلى «حزب الله» ومنع المسلحين من العبور إلى الأراضي اللبنانية، وان الانسحاب من جنوب لبنان لن يتم قبل اكتمال وصول القوات الإضافية التي تعزز «اليونيفيل» ليصبح عديدها 15 ألفاً.

كان واضحاً عبر شريط اللقاءات والمحادثات التي أجراها أنان في بيروت، انه حريص على أن يحصل على شيء ما يتعلق بالجنديين الإسرائيليين يستطيع ان يساعده في محادثاته مع الإسرائيليين. لكنه لم يتمكن من الحصول على أي شيء ملموس، ربما لأن آليات التتابع في تطبيق بنود القرار 1701 تجعل هذا الأمر مبكراً برغم ما قيل في بيروت عن مساعٍ إيطالية وألمانية لترتيب عملية الأسرى، وبالتأكيد لأن إسرائيل لم تنخرط بعد في تنفيذ المطلوب منها وفق القرار الدولي.

قبل مغادرة أنان إلى إسرائيل كان مصدر أمني لبناني قد أعلن ان «حزب الله» إزال كل مواقعه (14 موقعاً) في منطقة العرقوب المواجهة لمنطقة مزارع شبعا وسحب أسلحته إلى خارج المنطقة التي شملها انتشار الجيش وسيشملها انتشار القوة الدولية المعززة. وأوضح المصدر أن الحزب ألغى 14 موقعاً في المنطقة وسحب إلى خارجها أسلحة رشاشة ومدفعية متوسطة وصواريخ، إضافة إلى سيارات عسكرية من نوع «بيك آب»، كما أقفل فتحات المغاور والسراديب بواسطة جرافات.

لقد شكّل هذا الاعلان مؤشراً مهماً جداً يؤسس لاندفاع سؤال أساسي إلى واجهة التداول وهو:

إذا كان «حزب الله» قد انسحب من المواقع المواجهة لمزارع شبعا، وإذا كان يبرر احتفاظه بسلاحه لتحرير ما تبقى من الأرض اللبنانية ولم يبق غير مزارع شبعا، فلماذا السلاح بعد الآن؟

لا ندري إذا كان أنان قد التقط هذا التطور المهم، بما يملي عليه تسريع تحركه على خط مزارع شبعا التي ما أن تحلّ قضيتها حتى تختفي ذريعة «حزب الله» للاحتفاظ بالسلاح.

ومن المعروف أن مجلس الأمن كلّف الأمين العام في «الفقرة التمهيدية رقم 7» من القرار 1701، بأن يأخذ علماً بالاقتراحات الواردة في خطة السنيورة المعروفة بـ«النقاط السبع» التي طالبت بعودة مزارع شبعا إلى السيادة اللبنانية.

وكذلك في «الفقرة التنفيذية رقم 10» التي تدعو أنان إلى «ترسيم حدود لبنان الدولية وخصوصاً في المناطق حيث هناك نزاع أو التباس حول الحدود، بما في ذلك معالجة مسألة مزارع شبعا» هكذا حرفياً.

وفي الواقع، إذا تمكن الأمين العام من نقل مزارع شبعا من الاحتلال الإسرائيلي إلى عهدة الأمم المتحدة تمهيداً لترسيم الحدود وإعادتها إلى السيادة اللبنانية، فإن ذلك يمثل تنفيذاً لروح الحل في الجنوب، وهو الأمر الذي يشكل محور القرار 1701.