حزب الله .. وماذ بعد الاعتراف

TT

لا بد من الإقرار بالشجاعة الأدبية التي يمتلكها السيد حسن نصرالله أمين عام «حزب الله» حين اعترف في مقابلته مع الـ«نيو تي في» بأنه لو علم حجم ردة فعل الإسرائيليين بالعدوان الشامل المدمر على لبنان لما أقدم حزبه على خطف الجنديين الإسرائيليين.

ولكن هذا الاعتراف يترتب عليه عدة تساؤلات وحقائق:

الحقيقة الأولى أن هذا الاعتراف يعني أن من انتقد العملية على أنها «مغامرة غير محسوبة» كان مصيبا منذ البداية، لأن السيد حسن نصرالله قد خلص إلى هذه الحقيقة بعد فوات الأوان، وبأن من رأى في العميلة «عبثا غير مدروس» كان يمتلك نظرة ثاقبة لما ستؤول إليه الأمور.

والحقيقة الثانية أن هذا الاعتراف يعني اعترافا ضمنيا بالهزيمة، أو على الأقل اعترافا بعدم هزيمة إسرائيل بعكس ما روج له الحزب وأنصاره، ذلك أن شرارة الحرب باختطاف الجنديين قادت إلى نتيجة الحرب، فإن كانت النتيجة نصرا، فلماذا الأسف الضمني على اندلاع الشرارة بخطف الجنديين؟ فالسيد يقول ما معناه بأنه «لو عادت عجلة التاريخ لما اختطفنا الجنديين»!! ولكن لماذا إن كان اختطافهما قد قاد إلى نصر «تاريخي واستراتيجي أعاد الكرامة للأمة العربية والإسلامية...إلخ» البطولات الصوتية في الإعلام العربي المساند لحزب الله. فتصريح السيد يختزل مقتل وجرح الآلاف وتشريد مليون لبناني وخسائر بالمليارات وعودة الاحتلال للجنوب اللبناني واستمرار فرض الحصار على لبنان، ولكن شجاعة السيد لم تصل إلى حد الاعتذار عن الخطأ الخطيئة، فليس من تراثنا السياسي الاعتراف بالخطأ، فما بالك لو كان المخطئ يلبس العمامة ويرى بأن بين البشر من هو معصوم عن الخطأ؟

لا جدال بأن هاتين الحقيقتين يخلص إليهما أي عاقل بناء على كلام السيد حسن نصرالله، ولكن التساؤل الآن هو: هل من ثمن يجب أن يدفعه السيد أو الحزب نتيجة ارتكاب هذا الخطأ الخطيئة والذي كلف الأرواح والأموال والاحتلال؟ وهل يمكن أن يمثل أمام المحاكم الحزبية مسئول عسكري حزبي نتيجة هذا التقدير الفاشل لنتائج الحرب؟

كما أن التساؤل الآخر هو حول مدى صدقية ما قاله السيد في أحد خطاباته أثناء الحرب بأن عملية الاختطاف استبقت عملية هجوم إسرائيلية كبرى بشهرين، وهنا نود لو يرسينا السيد على بر: إن كنتم قد خططتم للعملية استباقا للهجوم، فكيف فاجأكم رد الفعل الإسرائيلي وحجمه وأنتم الأدرى والأخبر بشراسة وجرائم إسرائيل؟

ومما قاله السيد حسن نصرالله في مقابلة النيو تي في أن الحرب رفعت أسعار البترول ولو خصص «النفطيون» ريع هذا الفرق بالأسعار لبناء وتعمير لبنان لكفاه. وأضاف السيد أن هناك دولا «متلبكين بالفلوس» (حرفيا)، اي لا يدرون ما يفعلون بها. «ولي علينا وعلى هالبترول» كما يقول السوريون: نحن سنغامر ونهدم، وأنتم يا أهل الخليج إدفعوا لنا سلما وحربا، ولو كان لكم رأي في تصرفاتنا ومغامراتنا لاتهمناكم بالجبن والخيانة وكافة النعوت الجاهزة لكل من يخالفنا... بالمناسبة: لم يصدر السيد حتى اللحظة صك الطهارة لأموال الخليجيين «ياللي متلبكين فيها».

في الخليج حيرة وجدل: لن نتخلى عن لبنان مهما كان، بنيناه في السلم، وناصرناه في الحرب، صرفنا مليارات على إعادة بنائه، فدمرها حسن نصرالله وحزبه في شهر، ونريد مساندته الآن شرط عدم ضياع مساندتنا حسب مزاج المغامرين. لن نتخلى عن لبنان فالتخلي عن لبنان يعني الاستفراد الإيراني الكامل به، كما أن مساندته دون ضمانات مستقبلية يعد مقامرة لا تقل عن مغامرة حسن نصرالله !! فما العمل؟؟