دعوا حماس في الحكم

TT

قيادة حماس تتهم ضرتها في فتح بتحريض الموظفين الحكوميين على الاضراب عن العمل، واعتقد ان ذلك صحيح لكنه عمل مشروع في دائرة التنافس الحزبي، اضافة الى أن حرمان موظف من راتبه خمسة اشهر لن يقابل بالورود.

بالتأكيد فتح تبدو على عجلة من امرها بالعودة الى الحكم بمحاولة ازاحة حماس، او الدخول معها في الحكومة، او تأجيج الساحة السياسية ضدها، غير قادرة على الصبر زمنا طويلا يفصلها عن الانتخابات النيابية المقبلة. وفي رأيي انه من الصالح العام ان تبقى حماس في الحكومة وأن تحرم فتح منها لفترة أخرى، من أجل تأهيل المجتمع السياسي الذي يمر بمرحلة يمكن ان نعتبرها بمثابة مدرسة لتدريب كل الاطراف على المشاركة والمنافسة.

حماس عاشت دائما خارج الحكم، حيث المعارضة، ولنقص خبرتها تعاني اليوم، لأنها تريد ان تحافظ على مشروع الرفض وتجلس على كرسي الحكم. اكتشفت ان البيانات السياسية الثورية لا تؤكل ربع مليون موظف فلسطيني عيشا، فالناس مهما اتفقت معها تريد خبزا أيضا.

أما فتح فانها تمر بصدمة كبيرة لانها أدمنت الحكم ولم تعرف شيئا خارج الرعاية الحكومية. وفي الشارع الذي القي بها اليه اكتشفت ان العيشة قاسية، لهذا تريد العودة بأي صفة كانت تخريبية او تحريضية او تشاركية، وهذا حال المدمنين.

التجربة الفلسطينية مهمة ليس بسبب انها مسؤولة عن اكبر قضية في تاريخ المنطقة بل لانها تؤسس نموذجا سياسيا وقادرا على ادارة ارضه لا تحريرها فقط. المسألة تأهيل المؤسسة السياسية للحكم على أرض تعيش ظروفا صعبة، لذا ابقاء فتح في الشارع لفترة يفيدها في التعرف على الشارع ونبضه وتطلعاته، وتتمكن من اجراء غسيل معدة جيد من فساد طويل اضر بصحتها. عليها ان تتعلم من حماس التي قاسمت الناس الخبز، وتنظيف الاحياء، وإلقاء مواعظ سياسية في كل مسجد ومركز.

معادلة مطلوبة لصالح المواطن الفلسطيني وان كانت موجعة على اعتبار ان تأهيل حماس لتكون واقعية وفتح لتصبح نظيفة وشعبية ليس بالسهل. لن تتم بلا ثمن ويمر زمن حتى يشعر الحماسيون بالعجز والفتحاويون بالجوع ويقبل الجميع بما كانوا يرفضونه سابقا. ففتح، وبعناد شديد، رفضت لسنين كل دعوات الاصلاح الاداري واستمرت مشهورة بسوء الادارة حتى اضطرت الأكثرية الى التصويت لحماس بمن فيهم الذين يختلفون معها سياسيا. كما ان حماس التي ظنت ان لعبة الانتخابات سهلة، وكانت كذلك بالنسبة لها، فانها ترى كل يوم ان الحكم اصعب مما يبدو من سيارات مرسيدس فارهة ومكاتب مكيفة. ففتح، بكل عيوبها، استطاعت اعادة المناضلين الفلسطينيين من دياسبورا الشتات الى غزة واريحا. ادارت بمهارة معارك المفاوضات واستعادت المزيد من الاراضي واعترافا دوليا، وكسبت معها منافع لصالح الثلاثة ملايين فلسطيني من وظائف وخدمات وحركة على الأرض، وكانت قاب قوسين او ادنى من إقامة دولة فلسطينية لولا العنف الذي فجرته حماس في آخر سنوات الرئيس الراحل ياسر عرفات.

[email protected]