لا بد من أحد من الناس

TT

فجأة تجد نفسك في شجار مع صديق لك! يظهر أنه من الضروري أن يكون للإنسان صديق: أخ أو صديق أو أخ كصديق أو صديق كأخ.. وفي هذه العلاقة يجد الإنسان راحة أو يكون على راحته يقول ويشكو ويطلب الرأي أو النصيحة وكل إنسان محتاج إلى رأي آخر.. أو إلى وجهات نظر أخرى.

ويستريح الإنسان إلى هذه العلاقة وتصبح هذه العلاقة نوعا من الارتباط أو الرباط. ولذلك تجد نفسك تبحث عن صديقك أو أصدقائك دون أن تكون هناك ضرورة واضحة لذلك، أي دون أن تكون عندك قضية أو شكوى. وإنما أنت اعتدت أن تكون «مع» أحد تستريح إليه أو أحد تفك قيودك أمامه.. فلا تتحفظ في كلام أو أفكار أو تصرفات.. فما أكثر التصرفات والقيود في حياة كل إنسان.. في بيته وفي الشارع وفي مكان عمله.. ومن هنا كانت الصداقة أو الأخوة حالة انعدام وزن.. يتشقلب فيها الإنسان.. ويكون على النحو الذي يعجبه دون أن يخاف على شيء.. وإذا اعتاد الإنسان ذلك يصبح أسيرا لهذه العادة وهذه العلاقة وهذا الشخص.. ومن هنا كانت الصداقة مريحة وكانت ضرورية!

ولكن يحدث أن تدخل في مناقشة مع صديق أو مع أخ أو مع قريب وفجأة يتحول هذا الصديق إلى إنسان غريب.. إلى عدو.. إذا به يطلق عليك عبارات ويذكر لك أحداثا ويحاسبك على أشياء.. ويعيرك ويشمت فيك ويدعو عليك ـ كيف حدث ذلك؟ وأين كان كل ذلك؟ ولماذا؟

لماذا: لأنك نسيت حدودك.. لأن هناك حدودا بينك وبينه.. ولأن الصداقة قد غطت على مواجع كثيرة.. وأن هناك حدودا لاحتمال الإنسان للإنسان واحتمال الصديق للصديق وأنك تجاوزت الحدود.. وأنك وصلت إلى أماكن الألم.. وأن هناك أسلاكا مكهربة على حدود العلاقة التي بينك وبينه.. وأنك يجب أن تفهم أن الصداقة والقرابة والحب لا تجعل من اثنين شخصا واحدا. وإنما تجعل منهما شخصين متقاربين.. لكنهما دائما شخصان وكل واحد له رغباته ونزواته وتطلعاته.. وأن هناك حدودا يجب ألا يتخطاها الإنسان في علاقته بأحد.

إن هذا الموقف مؤلم لأنه يذكرنا بأن هناك حدودا.. وكنا قد نسيناها وأن الإنسان مهما كان صديقا لأحد أو قريبا لأحد أو حبيبا لأحد.. فهو إنسان غريب.. هو إنسان آخر.. من الممكن أن يكون عدوا كما كان صديقا أيضا!

إنها حقيقة وهي لذلك مؤلمة!