الأجنبي والمواطن والوطني

TT

ذكرني يوسف الشيراوي رحمه الله بأن الانجليز يطلقون كلمة اجنبي على كل من هو ليس بانجليزي بغض النظر عن البلد او المكان. وحتى اذا اكتسب الانسان الجنسية البريطانية وتزوج واحدة من نسائهم وامتلك قلعة بريطانية تاريخية سكن فيها 30 سنة فإن خدم القلعة يشيرون اليه بأنه سيدهم «الاجنبي». واذا شاءوا المجاملة وصفوه بأنه «بريطاني». كلمة «انجليزي» صفة تولد بها ولا يمكن ان تكتسبها وتمثل اساس العنصرية الانغلوسكسونية.

هكذا كانوا يفعلون في البحرين، قال الشيراوي. يأتي رجل الاعمال الانجليزي الى المنامة، يجلس في الفندق ويتكلم عن معالي يوسف الشيراوي فيقول ذلك الاجنبي في وزارة التنمية. وينظر من الشباك فيرى جموع البحارنة يعبرون الشارع فيتساءل، من كل هؤلاء الاجانب الذين يعبرون الشارع؟ وتصطدم سيارته بسيارة مواطن بحريني ويذهب لتسجيل الحادثة عند الشرطة فيسأله الضابط، من صدم سيارتك؟ فيجيبه قائلا «واحد اجنبي».

هل قلت «مواطن بحريني؟» آه! هذا مقلب لغوي آخر. فكما وقع الانجليز في اسر كلمة «اجنبي»، وقع ابناء الخليج في اسر كلمة «مواطن». الكويتي والبحريني والعماني وكل فرد من اهل الخليج يطلق على نفسه صفة «مواطن»، حتى عندما يصبح اجنبيا ويعيش في بريطانيا او فرنسا. فهو يبقى مواطنا حيثما يكون وحيثما يفعل. طالما سمعتهم في لندن يشيرون الى بعضهم البعض بلفظة مواطن، رغم انهم يشتغلون ويقيمون هنا في بريطانيا ويذهبون كل سنة لتسجيل انفسهم لدى الشرطة كمقيمين اجانب. اغتاظ احدهم يوما من معاملة شرطي المرور البريطاني الذي سجل مخالفة عليه لسوقه سيارته على يمين الشارع، فقال: «اما حقيقة وقاحة. انا مواطن ويعاملني بهذا الشكل!».

المقلب اللغوي الآخر هو مقلب «وطني». كثيرا ما التقي في لندن ايضا بشخصيات عربية يسكنون قصورا شامخة وبناتهم يذهبن بالمني جوب الى المدارس الارستقراطية ويقضون لياليهم في كازينوات القمار وتسمع الناس يسمونهم «وطنيين». لماذا؟ لأنهم في شبابهم عندما كانوا معدمين طردوهم من الكلية لتوزيع منشورات ممنوعة، او اعتقلوهم ليومين او ثلاثة لاشتراكهم في مظاهرات ضد أميركا، او لأنهم القوا قصيدة «وطنية» على قبر احد قتلى المظاهرات.

هكذا اكتسب احدهم لقب «وطني». ورغم انه «عقل» فيما بعد واستمع لنصيحة ابويه وراح يعمل للمخابرات او السي آي أيه او الموساد، او اختلس بضعة ملايين من مال الدولة وهرب، فإنه ظل يحتفظ بلقب وطني. لا يأتي ذكره في المجالس الا واشاروا اليه بأنه ذلك الوطني الغيور.

هذه ايضا صفة لا تتغير. هنيئا لمن استطاع ان يكسبها في اول حياته. يستطيع بعدئذ ان يفعل ما يشاء. يقبض الالوف ويسرق الملايين ويتسبب بهلاك العشرات من زملائه بالوشاية عنهم، يتاجر بأسلحة الموت والدمار، ويغير زوجاته وخليلاته بسرعة تغيير سياراته وطياراته الخاصة. ولكنه يظل يحتفظ بهذه الصفة البراقة: «وطني». يعقد الولائم فيأتي الناس لاستشارته في شؤون الوطن فيبدي رأيه بضرورة اشاعة الديمقراطية ومحاربة الفساد والاطاحة بالدكتاتورية واقامة العدل والمساواة. ويظهر على شاشات التلفزيون العربية باعتباره «محللا سياسيا».

هذه ثلاث صفات اساسية في الحياة: اجنبي، ومواطن، ووطني. لا ادري ما الذي يفضله القارئ منها.