أين نجح بن لادن .. وأين أخفق بوش ؟

TT

لا بد ان يكون اسامة بن لادن قابعا في مكان ما وهو يبتسم الآن، او انه سيبتسم على الأقل عندما يأتي له رجاله بمقتطفات من الصحف. فالرجل هزم أميركا مرة اخرى في لعبة العلاقات العامة، وربما يكون قابعا الآن داخل كهف في مكان ما، فيما صورته لا تزال تبعث على الخوف. فهو لم يسجل شريط فيديو جديدا، بل بُث له شريط سابق الاسبوع الماضي.

قبل أيام جدد الرئيس بوش ولاءه لأسامة بن لادن بالإشارة الى تهديديه بأن «اميركا ستواجه الخزي والهزيمة الى الأبد» اذا خسرت في العراق. بوش نفسه أطلق على الحرب على الإرهاب انها نضال من أجل التحضر، وقال انها كانت ضرورية من أجل «المحافظة على نمط الحياة الذي تتمتع به الدول الحرة».

هذا على وجه التحديد نوع اللغة الرؤيوية التي يفضلها بن لادن، وبخلاف ذلك ربما يدرك ان الحضارة الاميركية لا تواجه خطرا. بوسع اميركا ان تقلده، لكنها لا تفهم تماما تقنياته البلاغية والبيانية.

الاميركيون يخطئون باستمرار تفسير نظريته في العلاقات الدولية التي تقوم على ان «الناس عندما يرون فرسا قويا وآخر ضعيفا، فإنهم من الطبيعي ان يميلوا الى جانب الفرس القوي». ربما يكون هذا هو السبب في تعرض أميركا لهجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001 ـ تركت انطباعا بأنها ضعيفة بسبب فشلها في الرد على هجمات «القاعدة» السابقة ـ وأيضا سبب فشلها في الخروج من العراق.

قال نائب الرئيس الاميركي، ديك تشيني، في معرض شرح لتيم راسل قبل يوم واحد من كلمة الرئيس بوش، ان أميركا اذا تعثرت في العراق فإن الحرب على الارهاب ستتعثر لأن الناس سيقولون ببساطة: «يا إلهي... أميركا غير قادرة على القتال. اسامة بن لادن على حق، والقاعدة على حق، فأميركا فقدت عزيمتها ولن تكمل المهمة».

ولكن بن لادن يعرف شيئا لم تدركه بعد إدارة الرئيس بوش، وهو انه يجب الا تكون أميركا الفرس القوي، بل يمكن ان تكتفي فقط بأن تبدو قوية. يمكن ان تكون ضعيفا ويمكن ان يوسعك الطرف الآخر ضربا في عراك بينكما، ولكن بما ان هذا الطرف الآخر يبدو اكثر خوفا منك، فيمكنك ببساطة ان تحفظ ماء وجهك بأن تعلن الانتصار.

كانت هجمات 11 سبتمبر 2001 حماقة من جانب «القاعدة»، ليس فقط بسبب الهجوم المضاد الذي دمر معسكرات «القاعدة» وأطاح نظام حركة طالبان، وإنما لأنها تسببت في ابتعاد حلفاء سابقين للعناصر الجهادية في العالم العربي، ولأنها ايضا تسببت في حدوث شرخ داخل تنظيم «القاعدة». وعلى سبيل المثال، انشق ابو الوليد المصري، وهو من ابرز قيادات «القاعدة»، اثر خلافه مع بن لادن واتهامه اياه بأنه صاحب «افتتان شديد» بالشهرة العالمية. وكما أشار فواز جرجس في مقال له نشرته مجلة «شؤون دولية»، فإن هجمات 11 سبتمبر اثبتت «ان بن لادن على استعداد للتضحية بأفغانستان والملا عمر على مذبح حملة علاقاته العامة».

ولكنه يعرف على الأقل حملة العلاقات العامة هذه. فتنظيم «القاعدة» لا يشكل خطرا عسكريا جديا على أميركا، لكنه يمكن ان يشكل عليها خطرا على شاشات التلفزيون. ففيما ازدادت خسائر تنظيم «القاعدة» وتجاوزت واشنطن آثار هجمات 11 سبتمبر، واصل بن لادن وشركاؤه حملتهم للترويج للخوف (وللترويج لأنفسهم). وهم يختبئون داخل كهوف وينصبون انفسهم أبطالا.

ولكن أميركا وبدلا من اعلان انتصارها ضد الارهابيين بعد ان أطاحت نظام طالبان وأجبرت بن لادن على الاختباء غزت العراق ووفرت بالتالي وسيلة جديدة لتنظيم «القاعدة» لتجنيد عناصر جديدة. وبدلا من وضع خطر الإرهاب في حجمه الصحيح والواقعي، وضع بوش (بتعاون كامل مع الديمقراطيين والصحافة) معايير مستحيلة لجعل الولايات أميركا في مأمن من المخاطر.

قال بن لادن متباهيا قبل حوالي عامين انه «من السهل استفزاز الادارة الاميركية واستدراجها». فقد قال: «كل من يجب ان نفعله هو إرسال مجاهدين اثنين الى اقصى نقطة في الشرق ليرفعا قطعة قماش مكتوب عليها «القاعدة» كي يهرع الجنرالات الى هناك وتتعرض اميركا لخسائر بشرية واقتصادية وسياسية». عند ذلك سيظهر تنظيم «القاعدة» مرة اخرى، بصرف النظر عن الخسائر التي مني بها، وكأنه الفرس القوي.

*خدمة «نيويورك تايمز»