مرة أخرى: لهذا يخشى العـرب القدرات النووية الإيرانية..!

TT

استضافت المنامة، عاصمة مملكة البحرين، قبل أيام مؤتمراً في غاية الأهمية لمعالجة مخاطر وتداعيات الإنتشار النووي في هذه المنطقة وقد جرى تنظيم هذا المؤتمر الذي شهد وجهات نظر متعددة، متفقة ومتعارضة، والذي قُدمت إليه أوراقاً ودراسات جادة بالتعاون بين وزارة داخلية الدولة المضيفة ومركز الخليج للدراسات الإستراتيجية.

وتناول هذا المؤتمر فيما تناول الآثار والإنعكاسات الأمنية لدخول إيران ميدان السباق النووي على دول الخليج العربية بصورة خاصة وعلى العرب بصوة عامة ولقد قيل الكثير في هذا المجال الحساس ومن بين ما قيل أن الأخطر بالنسبة لهذا الأمر هو ان هذا الرعب بدأ يهدد هذه المنطقة بينما هي في ذروة معاناتها من الأزمات المتفجرة والنائمة التي تتخذ أشكالاً وصوراً متعددة طائفية ومذهبية وقومية وحدودية وبينما هي تمر في مرحلة تنموية واعدة.

ولعل ما يجعل الخطر جدياً هو أن سعي إيران لإمتلاك السلاح النووي لا يقتصر على ان هذا السعي يشكل وجه العملة الآخر لطموحات وتطلعات الإيرانيين لدور رئيسي في هذه المنطقة بل ويتعداه الى أن التسلح النووي لأي دولة من الدول في العالم كله يقترن في ظل إختلال موازين القوى بإنتعاش ظاهرة الإرهاب وعلى غرار ما حدث في دول كثيرة من بينها بعض الدول الأوروبية.

إنه من الممكن ان يكون هناك إجماعٌ على ان أحد جذور الإرهاب، الذي غدا الآن ظاهرة كونية وغدا متجذر في هذه المنطقة يعود بالإضافة الى الفقر والظلم والشعور بالإحباط الى سطوة الدول النووية التي غدت تهيمن على معظم دول الكرة الأرضية ومن بين هذه الدول النووية إسرائيل التي بدعم الولايات المتحدة والدول الأوروبية مارست إضطهاداً بدائياً على الشعب الفلسطيني وأدارت ظهرها لكل محاولات السلام وباتت تهدد أمن هذه المنطقة كلها وتهدد مستقبل أجيالها.

ولذلك فإنها مسألة طبيعية ان يسود القلق دولاً ديموقراطية كاليابان وكوريا الجنوبية عندما تمتلك دولة مجاورة نظامها شمولي ولا يزال يتصرف بنهج الحرب الباردة وقيم أيام صراع المعسكرات هي كوريا الشمالية على السلاح النووي وعندما تلجأ هذه الدولة الى إخافة جيرانها بإطلاق الصواريخ المحملة برؤوس نووية في اتجاه هذه الدول وهذا حدث مرات عدة آخرها منذ فترة قريبة ثم وأنها مسألة طبيعية أن تظهر حتى في الدول المستقرة مثل اليونان وإيطاليا وألمانيا مجموعات متطرفة وإرهابية مثل الألوية الحمراء وبادر ماينهوم والنجم الساطع والطريق القويم وغيرها عندما يشعر بعض الناس في هذه الدول بالانسحاق والإحباط بعد تغوُّل الولايات المتحدة التي بات وجودها بعد الحـرب العالمية الثانية يشكل في معظم دول أوروبا الغربية احتلالا مباشراً ومعسكرات وقواعد لتخزين الأسلحة النووية.

إن عدم الاستقرار وعدم الشعور بالأمن يؤدي، في ظل الهيمنة وتفوق دولة مجاورة من الناحية العسكرية، الى الإحباط، والإحباط يؤدي الى نزعة الانتحار والقتل وهذا كله يدفع الشباب الذين يبحثون عن حلول ولا يجدونها الى الذهاب بعيداً والى اللجوء الى ظاهرة الإرهاب، والتي سببها في العديد من دول هذه المنطقة هو تلاقي التحديات الداخلية بالنسبة للإنسان العادي مع التحديات الخارجية.

وهنا فإنه لابد من الإشارة الى أنه أمر طبيعي ان تتسبب هذه المماحكة الدولية حول امتلاك إيران لقدرات نووية في المجال العسكري الى إثارة القلق وعدم الاستقرار في هذه المنطقة وذلك رغم كل الرسائل الإعلامية اللطيفة التي تحرص طهران على إرسالها الى عواصم دول هذه المنطقة كلما ارتفع منسوب التحديات المبادلة بينها وبين الولايات المتحدة.

ربما تكون إيران صادقة في أنها لا تستهدف دول المنطقة، قبل ان تصبح دولة نووية وبعد ذلك، لكن مالا يمكن إغفاله هو ان مع شعوب هذه المنطقة كل الحق في ان تشعر بالخوف وعدم الاستقرار عندما تسمع صوتاً يخرج من طهران يقول ان منطقة الخليج لن تكون آمنة بعد الآن لأنها ستصبح ميدان معركة مع الولايات المتحدة وعندما تتواصل المناورات العسكرية في مياه الخليج ومياه بحر عُمان.

في إبريل ( نيسان ) الماضي نفذت قوات حراس الثورة الإيرانية مناورات ضخمة في مياه الخليج قالت طهران أنها ضد الولايات المتحدة وإسرائيل وهذا، رغم الرسائل الجميلة التي صدرت بهذا الخصوص تجاه الدول العربية في هذه المنطقة، تسبب بقلق بالغ لشعوب هذه الدول التي باتت تخشى وفي ضوء كل هذا الذي يجري من ان تتحول المنطقة الخليجية كلها الى ساحة مواجهة نووية بين الاسرائيليين والأميركيين من جهة وبين جمهورية إيران الإسلامية من جهة أخرى وأيضاً الى مصنع للإرهاب والعنف وعلى غرار ما هو حاصل الآن في العراق.

ثم عندما يسمع العرب بصورة عامة وأبناء الخليج بصورة خاصة ما يصدر من تصريحات مهددة متوعدة من بعض القيادات الدينية والسياسية الإيرانية فإن معهم كل الحق في ان تراودهم وساوس ومخاوف تجاه احتمال ان تمتلك إيران السلاح النووي وأن معهم كل الحق في أن يشعروا أنهم مهددون بالاستثمارات الهائلة في بلدانهم وبرخائها الاقتصادي وأيضاً بأمنها واستقلالها واستقرارها.

عندما تسمع شعوب هذه المنطقة وأنظمتها ودولها أيضاً متشدداً إيرانياً يدعو الى تصدير الثورة وهو يشير بيده نحو منطقة الخليج فإنه أمر طبيعي ألا يتردد هؤلاء في البحث عن حماية خارجية وحتى وإن كانت هذه الحماية المطلوبة هي حماية الولايات المتحدة وحتى وإن اقتضى الأمر إعطاء تسهيلات وقواعد للقوات الأميركية وهذا كله يشكل عدم استقرار ويؤدي الى زعزعة الأمن والى انتعاش الإرهاب في منطقة يشكل الأمن المطلب الرئيسي لشعوبها واستثماراتها ونهضتها الاقتصادية والثقافية والحضارية.

ان الشيء الذي يجب ان تعرفه طهران هو ان حجم التشابك في العلاقات بينها وبين عواصم الدول الواقعة على الضفة الأخرى من الخليج يجعل هذه الدول وشعوبها حساسة إزاء أي شيء ويجعلها تشعر بعدم الأمن والاستقرار عندما يصر الإيرانيون على احتلالهم للجزر العربية الإماراتية وعندما يكون هناك كل هذا التدخل الإيراني في الأزمة العراقية وعلى هذا النحو وعندما يصر الإيرانيون على لعب دور إقليمي في المنطقة حتى قبل امتلاك بلادهم للأسلحة النووية.

لو أن إيران لم تظهر بمظهر المتحدي المتدخل في الشأن الداخلي في أكثر من دولة عربية ولو لم تنطلق من طهران صيحات تصدير الثورة الى الدول (الشقيقة) المجاورة فإن المؤكد أن مساعيها النووية ستقابل في هذه المنطقة بما قوبل به امتلاك باكستان للسلاح الذري إذْ أن المفترض ان هذه الدولة الإسلامية تشكل عمقاً للعرب كلهم وأن مكان إمكاناتها العسكرية والاقتصادية هو الى جانب الإمكانات العربية التي يجب ألاَّ تشكل أي خطر لا فعلي ولا وهمي لا على دول الخليج ولا على باقي الدول العربية.

حتى وإن كان هذا غير حقيقي وغير صحيح فإن الدول والشعوب في هذه المنطقة عندما تسود لديها قناعة بأن بروز الدور الإيراني في العراق وفي دول عربية أخرى قد أدى الى تهميش بعض مكونات المجتمع في هذه الدول فإنه تحصيل حاصل ان تكون هناك مخاوف وأن يكون هناك قلق وأن تكون هناك مقاومة سلبية خفية لامتلاك الإيرانيين للسلاح النووي.

ولذلك فإنه من مصلحة إيران أن تتخلى نهائياً عن مخطط تصدير الثورة الذي ينادي به بعض المتشددين في مواقع قيادية دينية وسياسية رئيسية لأن هذا سيدفع دول هذه المنطقة والدول العربية بمعظمها إن ليس كلها الى الاحتماء بما يسميه الإيرانيون «قوى الاستكبار العالمي» وهذا سيشكل بالتأكيد ثغرة كبيرة في الجدار الأمني الإيراني وذلك بالإضافة الى أنه سيكون عاملاً في غاية السلبية بالنسبة لاستقرار الدول الخليجية المجاورة وأنه سيؤدي حتماً الى الإرهاب والعنف إن على المدى القريب أو البعيد.