الديمقراطية الأبدية

TT

ليس هناك شكل واحد للديمقراطية ولا مفهوم واحد. فهناك، مثلا، الديمقراطية التي يحملها جورج بوش إلى العالم الديكتاتوري، بواسطة رجال المارينز وقوانين غوانتانامو. وهناك، خصوصاً، ما يمكن تسميته بالديمقراطية الأبدية أو الاستطرادية. وهذه اختراع عربي لا قبل ولا بعد. قد يقول قائل، ولكن أليس التناوب شرطاً من شروط النظام الديمقراطي؟ فهذا طوني بلير يرغم على الذهاب فيما بريطانيا في أفضل حال اقتصادي في التاريخ؟ وذلك شارل ديغول وتلك مارغريت ثاتشر اسقطا بعد عشر سنين. ممنوع التجديد. ممنوع التمديد.

نعم، التناوب شرط في الدول التي تفتقر إلى رجال أبديين أزليين لا مثيل لهم. لذلك عمل العالم العربي على صد هذه الآفة وردّ هذا الوباء. مشرقاً ومغرباً والحمد لله.

واكتشف الرئيس علي عبد الله صالح هذا الأمر وأنقذ الديمقراطية العربية من سوء المصير. فبعدما أعلن العام الماضي نيته في ألا يزيد أعواما إضافية على العقود الثلاثة الحاكمة، عاد واستدرك ولبى نداء الأمة في حزيران الماضي، وقرر أن يخوض معركة الرئاسة ضد نفسه. وأحياناً أصغي إلى خطب السيد الرئيس في المهرجانات واسمعه يردد شعاراً واحداً: التغيير! ولكن التغيير عمن وممن وكيف؟ وماذا يريد العقيد أن يغير ومَن؟ أمس أخبرنا أن خصمه دس عليه رجلا إرهابيا. وفي الديمقراطية الأبدية ممنوع الخصومة. فإذا حل وقرر الخصم المضي في الوقاحة حتى الترشح، فان الأصول الديمقراطية الافلاطونية السقراطية لا بد أن تثأر لنفسها.

يريد جورج بوش ديمقراطية في العالم العربي؟ تفضل يا جورج بوش: انتخابات رئاسية في كل مكان. وفي كل مكان تعديل للدستور: رئاسة مدى الحياة. وإذا أمكن بعدها. مشرقاً ومغرباً. ومهرجانات بلا حدود شعارها الوحيد التغيير. ثم التغيير. ثم التغيير.

اعتقد جورج بوش أن في إمكانه التذاكي على العالم العربي فلقن درساً آخر. فقد اكتشف أن ليبيا بممارسة «الحكم للشعب» تخطت دعوة أفلاطون بأربعة آلاف عام. وتونس تقترع وتجدد. والجزائر برضه. ولبنان الذي كان يقيم الثورة ضد التجديد، صار يقترع ويجدّد. والحريات مضمونة ومصونة في كل مكان. والفارق بين الرئيس اليمني وبقية الزملاء انه يعطي المسألة كلها طابعاً نادراً من الظرف الواضح. لديه مطلب واحد: التغيير.