وصلتني رسالة في بريدي من شاب عمره 23 سنة ويقول فيها: إن ما يميزني ويجعلني مختلفاً وشاذاً هو ما ألاحظه في نفسي من الغيرة الشديدة العمياء على من أعرف ومن لا أعرف، بمعنى أنني أغار على نفسي أولا ثم على إخوتي وأهلي ثم على أقاربي وقبيلتي ونسبي ومدينتي ودولتي وقادتي وعلى كل الشعب العربي من المحيط إلى الخليج، ولا أريد من أي مخلوق أن يمس هؤلاء الناس بأي كلمة سوء كانت، وأنت واحد منهم، إلى درجة أنني اشتبكت بمجادلة مع مجموعة من الشباب بسببك، وكدت أحطم رأس أحدهم عندما وصفك بالنذالة، ولكن الحمد لله ربي ستر.
على أية حال أشكرك أيها الشاب على غيرتك ودفاعك عني، ولكن عليك أن تعلم كما انه (للصبر حدود) كذلك أيضاً يجب أن تكون (للغيرة حدود)، فتحطيم رأس شخص لمجرد أنه قال عني: إنني نذل، فهذا شيء كبير جداً، يا أخي دعه يقول ما يقول إلى ما شاء الله، فوصفه لن يزيدني ولن ينقص مني شيئاً.
ولكنني أعتقد أن الذي فجر الغيرة في صدر ذلك الشاب أكثر، وحفزه على كتابة تلك الرسالة، هو عندما شاهد أحد أقرانه من الشباب يلبس فنيلة (تي شيرت) وعليها صورة (نانسي عجرم) من الأمام (واليسا) من الخلف، ولا ادري إلى الآن هو يغار على من، هل هو يغار على ذلك الشاب لأنه اقترف ذلك الفعل؟!، أم انه يغار على هاتين المطربتين الجميلتين الظريفتين؟!، ولكن له الحق في أن يغار على أية حال، ولو أنني كنت في مكانه لانتزعت الـ (تي شيرت) من على صدر ذلك الشاب المستهتر واستأثرت به لنفسي.
والغيرة يا عزيزي هي شعور لا بأس به، على ألا تتحول في بعض الأحيان إلى حسد، مثلما قال الشاعر الذي أظن انه (أبو فراس الحمداني) عندما قال: هم يحسدوني على موتي ويا عجباً/ حتى على الموت لا أخلو من الحسد. أو مثلما يقول حكماء الشوارع بأمثالهم: يحسدون الأعور على كبر عينه، أو يحسدون الأعرج على كبر مؤخرته، ـ أي عجيزته ـ وليس هناك بين كائنات الكرة الأرضية كلها أكثر غيرة من الديك على دجاجاته، انه أيها الشاب أكثر غيرة حتى منك أنت، ولولا الخجل وقلة الحيلة لتمنيت أنا أن أكون (ديكاً) لوحدي، مع ما لا يقل عن عشرين، أو أفضل ثلاثين دجاجة منتقاة. أرجو ألا تغضب مني عندما جعلت الديك أكثر غيرة منك، وإنني في النهاية أتنبأ لك بمستقبل زاهر في هذا المجال الحيوي فواصل غيرتك وانفعالاتك، ولكن عليك أن تحذر، ففوق القوي من هو أقوى منه، وفوق الغيور من هو أغير منه.
والآن وفي هذه اللحظة تذكرت أغنية لمطربة متقاعدة تقول فيها: (جرب نار الغيرة).. وبعد غد، أو بعد أسبوع على الأكثر سوف أجربها، ولكن مشكلتي أنني لم أجد إلى الآن التي تستأهلها.