الطاشيزم

TT

سألني أحد الأصدقاء، هل سيؤثر وجود مسلسلين لـ «طاش ما طاش» على عضوية السعودية بمنظمة التجارة العالمية؟ وكان هذا الصديق يحاول التركيز على قضية حقوق الملكية لفكرة المسلسل، ومدى احترام القوانين والأنظمة الموجودة لحقوق الملكية هذه، والواقع أن المسلسلين يبثان اليوم من محطات تلفزيونية خارج السعودية، وبالتالي لا علاقة للأنظمة السعودية بهذه المسألة. والواقع أن مسلسل «طاش ما طاش» الذي يقوم ببطولته ناصر القصبي وعبد الله السدحان (والذي يعتبره السعوديون هو المسلسل الأصلي فعلا) تحول الى أحدى أهم وسائل النقد الاجتماعي، وخصوصا فيما يتعلق بتجاوزات التيار المتطرف، والذي اخترق وتغلغل في شتى القطاعات المختلفة في البلاد، وتحول الى سرطان خبيث ينهش في جسد وروح وضمير الناس. وطبعا لم ينل هذا الواقع اللافت والنجاح الجماهيري المنقطع النظير رضا التيارات المتطرفة، وباتت تعد العدة لمواجهته ومهاجمة المسلسل وأبطاله. معدل استمرارية نجاح مسلسل طاش ما طاش وتواصل الاقبال الجماهيري عليه (حتى على الصعيد العربي) ورفع مستوى النقد والجرأة فيه يدل أن هناك قاعدة عريضة جدا من الناس راضية عن هذا «التشريح» النقدي الذي طال انتظاره. فكم سنوات مرت تحت مظلة «ارهاب فكري» يمنع النقد أو التعرض لتجاوزات هذا التيار، الذي ظاهره هو الحرص على الدين، وباطنه هو الهيمنة والسلطة الاجتماعية ومصادرة الحقوق والحريات، وبالتالي كان يروج هذا التيار دائما أن أي نقد له، هو اعتداء على الدين نفسه. المسلسل بحد ذاته ليس حالة فريدة، فهناك حالات مشابهة له في مواقع عربية مختلفة ولعل أبرزها مسلسل «مرايا» السوري، وقديما كان هناك مسلسل «عادات وتقاليد» المصري. ولكن حجم المواجهة والنقد الذي يتعرض المسلسل سنويا، يوضح أن التيار المتطرف لا يزال في حالة انكار منقطعة النظير عن حجم المشكلة الفكرية والثقافية، التي تعاني منها البلاد وعن دورهم المباشر في ذلك كله، الذي ولد انغلاقا وتحجرا وتعصبا بغيضا، لا يزال الجميع مستمرا في تحمل تكاليفه ودفع فاتورته الباهظة. مسلسل «طاش ما طاش» بما يقدم من نقد جريء ومكاشفات مهمة هو أداة واحدة فقط (والمطلوب المزيد بطبيعة الحال) لأن النقد الذي يتبعه اصلاح مشوار طويل ومهم، وخصوصا اذا تم بلا مجاملات أو برعب وتخويف واه ومضلل.

[email protected]