واشنطن: على سوريا تتوقف نهاية الصراع في الشرق الأوسط

TT

كثيرة هي وجهات النظر الأميركية حول كيفية التعاطي مع سوريا من دون أي توافق بينها حتى الآن. بعضهم حاول تسويق معلومة أن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس ترغب في فتح قنوات اتصال مع دمشق، لكن الرئيس جورج دبليو بوش أوقفها. بعض المقربين من رايس في الخارجية يعترفون بأهمية سوريا ودورها في كل المشاكل العالقة في العراق وإيران ولبنان والصراع العربي ـ الإسرائيلي. ومع هذا، فإنها لا تحتل مركزاً رئيسياً على جدول اهتمامات الإدارة الأميركية. ويلتقون في واشنطن مع وفود أوروبية أتت تتحدث عن إيران وسوريا. المسؤولون الأميركيون يستمعون الى الطروحات الأوروبية من دون حماسة لا سيما تلك المتعلقة بعروض حول الشراكة الاقتصادية لمنح سوريا حوافز تمنعها من معاودة التدخل في لبنان، وتشجعها على وقف دعم «حزب الله» و«حماس» و«الجهاد الإسلامي»، وتشدها الى مسيرة السلام. واشنطن لا تريد من أوروبا أن تعرض هذه الصفقات الاقتصادية على سوريا من دون شروط محددة وملزمة، كما أنها تريد تأخير كل العروض الأوروبية الى العام المقبل، بعدما يقدم سيرج براميرتز، المحقق الدولي في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، تقريره المقبل الى الأمم المتحدة في منتصف الشهر الأخير من هذا العام.

تريد واشنطن تطبيقاً كاملاً للقرار الدولي1701، كما تريد من الحكومة اللبنانية أن تطلب من الأمم المتحدة نشر قوات دولية على الحدود اللبنانية ـ السورية، كما جاء في ذلك القرار. لبنان يتردد، وسوريا هددت بإقفال الحدود، ثم أرسلت الى الأمين العام للأمم المتحدة، كوفي أنان، تطلب منه إحياء الوساطة الألمانية «كونها لم تعد تثق إلا بألمانيا»، كما قال لي مسؤول ألماني التقيته في واشنطن، حيث أضاف: «لقد أبلغنا السورييين أننا على استعداد للوساطة شرط أن يلتزموا، فإذا أخلوا، ندير ظهرنا ونقفل الباب. نحن قلنا للسوريين إننا أتينا بناء على طلبهم، أبلغناهم أننا لسنا مع تغيير النظام، إنما مع نظام يحترم القرارات الدولية ويطبقها. دمشق طلبت نشر معدات مراقبة وتدقيق ألمانية على الحدود بين سوريا ولبنان. نحن لسنا في حاجة الى سوريا، هي تحتاجنا كبوابة لها أو جسر الى أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. ويضيف المسؤول الألماني: «بقية الدول فقدت الأمل بأن يعدل النظام السوري من تصرفاته. نحن نختلف عنها، لكن من الصعوبة أن نتخيل أن تصبح سوريا شريكاً محتملاً في السلام. نحن نختبر استراتيجيتنا تجاه سوريا ونختبر نواياها. سنرى تطبيقها للقرار1701 ومنعها تهريب الأسلحة، علينا أن نتابع تحركات الرئيس السوري بشار الأسد وندرس كل الإشارات الصادرة عنه، رغم أن الكرة الآن في الملعب السوري». وقال المسؤول الألماني: «يطالب اللبنانيون بمزارع شبعا، لكن السوريين أبلغونا وأقنعونا، وأعتقد أن على اللبنانيين أن يقتنعوا بذلك، هم (السوريون) قالوا لنا: إن مزارع شبعا كانت جزءاً من الجولان السوري، وهي بالتالي سورية، والجولان كله تحت الاحتلال الإسرائيلي. وليس من حق اللبنانيين مطالبة دمشق بتقديم أوراق ملكية مزارع شبعا (كأراض لبنانية) الى الأمم المتحدة». ويقول المسؤول الألماني موضحا: «لن نسلم أمن إسرائيل الى الأمم المتحدة، كما أنه لا وقت لمؤتمر دولي الآن، انه تضييع للوقت وعلينا أن نعيد بناء الثقة بين كافة الأطراف في منطقة الشرق الأوسط، لقد أظهر لبنان أن الإرهاب والعنف خياران قائمان، وعلينا أن نظهر أن هذا الطريق مسدود والمفاوضات هي الخيار الأفضل».

هذا الطرح استمعت إليه واشنطن التي تميل الى إبقاء الضغوط على دمشق، لكنها تراقب أيضا الأصوات المتفرقة التي تأتي من إسرائيل، والتي تطالب بإعادة إحياء المسار السوري. ويقول لي مصدر أميركي «إن حكومة إيهود أولمرت مضطرة الى تخفيف الضغوط عنها وتحقيق شيء ما، وهي إذا فشلت في استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، أو بالأحرى مع حكومة وحدة وطنية فلسطينية، فإنها بعد حوالي ستة أسابيع مضطرة الى الطرق على باب المسار السوري». ويوضح المصدر: «إن الشرط الوحيد للقاء أولمرت مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، والإعلان عن استئناف المسار الفلسطيني، هو إطلاق سراح الجندي الاسرائيلي، ولا بد أن دمشق تعرف هذا، وهي التي تتطلع الى استئناف المفاوضات بدورها مع إسرائيل، ولذلك تشجع خالد مشعل، المسؤول السياسي لحماس، على عدم السماح بإطلاق ذلك الجندي». ويضيف المصدر الأميركي: «إن سوريا تحتاج الى استئناف المفاوضات مع إسرائيل، لأنه يخفف عنها عبء الالتزام بالكلام الذي ردده رئيسها في خطبه، بعد وقف إطلاق النار في 14 آب (أغسطس) الماضي بين إسرائيل ولبنان، ومفاده أن تجربة «حزب الله» مع إسرائيل شجعته على فتح جبهة الجولان ضد إسرائيل، خصوصاً أن الوضع الاقتصادي السوري سيئ جداً، يضاف إليه التجاوزات الكثيرة في ما يتعلق بحقوق الإنسان. هي الآن تستطيع آن تناور لأن بعض بنود القرار 1701 غامضة ويصعب تطبيقها، تماماً كبعض بنود القرار 1559».

وفي لقاء مع مسؤول أميركي كبير سألته عما إذا كان القرار 1701 يحمي الأجواء اللبنانية من طلعات الطيران الإسرائيلي، فأجاب «لا أعتقد أن هذه العبارة المحددة موجودة في القرار 1701». وأقول: القرار لا يدعو كذلك الى نشر قوات دولية بين لبنان وسوريا؟ فيجيب «إن القرار يقول إن على الحكومة اللبنانية أن تفعل ذلك، وإن الـ«يونيفل» (القوات الدولية) على استعداد لتنفيذ طلب الحكومة ودعم جهودها. ويضيف «إن هذا ما تفعله الحكومة السيادية». وعما إذا كانت واشنطن أصيبت بخيبة لأن إسرائيل لم تحقق أهدافها يقول المسؤول الأميركي الكبير «لم نركز على أهداف إسرائيل، وما إذا كانت تحققت. نحن ركزنا على أمر واحد مهم منذ البداية، وقد شرحت وزيرة الخارجية رايس السبب لعدم إسراعنا في طلب وقف إطلاق النار، ركزنا على إنهاء القتال وعلى تغيير المسار وتحقيق السلام». وأسأل المسؤول الأميركي عما قاله أحد المسوؤلين الإسرائيليين من أن إسرائيل مُنعت من قصف سوريا، وعما إذا كانت واشنطن وراء ذلك؟ فيرفض الإجابة، ويوضح رأيه الشخصي على النحو التالي: «إن القرار الإسرائيلي بعدم قصف سوريا كان إسرائيليا صرفاً، ولا أعرف ما دار بين الإسرائيليين والسوريين، إذا ما حصلت اتصالات، لا أعرف التوقعات التي توصلا اليها في ما بينهم. ما أعرفه، أننا لم نشعر بأن هناك خطراً حتمياً سيؤدي الى اشتباك مع سوريا، وقد راقبنا الوضع عن كثب».

وما رأي المسؤول الأميركي بالدعوات القائلة بفتح قنوات اتصال مع سوريا، يجيب «تصلني الكثير من الرسائل تطالب بفتح الاتصال غير المباشر مع سوريا، لقد حصل هذا مع صدام حسين (الرئيس العراقي السابق) ومع العقيد معمر القذافي (الزعيم الليبي) ومع «طالبان» وربما مع «القاعدة». لا أعرف من يدعو الى مثل هذا الاتصال. ليس العرب من يطلب ذلك، أنا لا أرى أن مثل هذه المحاولات تضع نهاية للأمر. المطلوب تغيير في المواقف ويجب أن نرى ذلك على الأرض». وقال «إننا تألمنا لموت الأطفال اللبنانيين بالقنابل العنقودية، وكذلك نتألم لموت الأطفال الإسرائيليين بعمليات انتحارية، سوريا تدعم هذا النوع من الإرهاب الذي يؤدي الى سقوط ضحايا من الأطفال. ما معنى فتح قنوات اتصال معها إذا ظلت على مواقفها؟ اليوم الذي يقول لي أحدهم، إن كل الشعب اللبناني يتألم لسقوط مدنيين إسرائيليين، وإن كل الشعب الإسرائيلي يتألم لسقوط مدنيين لبنانيين، عندها تتوفر لنا أرضية للحديث». وأضاف «عندما يبدأ كل طرف في الشرق الأوسط يتعاطف مع الطرف الثاني، عندها يمكن الحديث عن الحدود، وعن حقوق الأقليات والمستقبل، لكن إذا لم يتوفر هذا الاعتقاد، فإن فتح قناة اتصال ليس سوى تعبير عن ضعف، والطرف الآخر لن يحترمنا. هناك قوى في الشرق الأوسط: «حماس»، «حزب الله»، أحمدي نجاد (الرئيس الإيراني)، «القاعدة»، لا تهتم بالطرف الآخر، لهذا لا أرى فائدة من الاتصال بها. أما سوريا فالأمر يعتمد على احتمالات الحظ بالنجاح. نحن لسنا ضد الحديث مع الناس، لدينا اتصالات مع السوريين، هناك سفارتنا في دمشق. لكن ماذا يريد السوريون؟ يريدون عملية السلام، هذا مفهوم، لكن المشكلة، أن السوريين هم السبب الرئيسي في عدم وجود نشاط في عملية السلام، لأنهم الداعمون الأساسيون لخالد مشعل الذي يعيق على «حماس» اتخاذ موقف مرن». ويتردد المسؤول الأميركي الكبير في الحديث عن الإطاحة الكاملة بالنظام السوري، ويقول إن واشنطن تتطلع الى تغيير نوعي في تصرفات النظام، مثل «أن يوافق، كما فعلت مصر والأردن، على الاندماج بالمؤسسات الغربية والدولية، وأن يتخذ قراراً لما فيه مصلحة وطنية في ما يتعلق بإسرائيل، عبر الوسائل السلمية التي تعترف بإسرائيل».

وأسأله ما إذا كان يعني: اتفاقية سلام بين سوريا وإسرائيل؟ فيجيب «لا أريد أن انطق بذلك حرفياً، إنما على سوريا أن تسير على الطريق نفسه الذي سارت عليه مصر والأردن. إننا نريد رؤية نهاية للصراع في الشرق الأوسط. لقد مررنا في مراحل مختلفة مع الفلسطينيين، فيها بعض الطلعات. لكن مع السوريين لم نشعر بأي رغبة من جانبهم في اتجاه التسوية».

ثم يضيف «إن سوريا والدول التي تركز على التسبب بالضرر لجيرانها، يصعب ردعها، وبالنسبة الى لبنان، فإننا نراقب سوريا جيداً لأننا مهتمون بتطبيق القرار 1701، وبنجاح العملية الديمقراطية في لبنان. سنغضب بشدة وسنرد بعنف، إذا ما حاولت سوريا التصدي لأي من هذين الأمرين».