لقد بلغت الرمز

TT

في رواية «الصبر النافذ» لانطونيو سكارميتا يحاول شاعر اميركا اللاتينية بابلو نيرودا ان يشرح لساعي البريد الشاب، ماريو، ما هو الشعر: «الشعر، هو الرمز. هو فن الاستعارة». وكيف يكون ذلك؟ ووضع الشاعر يده على كتف الشاب وقال: «يمكنك القول انها طريقة في وصف شيء ما، بمقارنته بشيء آخر». فقال الساعي: «اعطني مثلاً على ذلك». تطلع نيرودا في ساعته وتثاءب. ثم اضاف: «عندما تقول ان السماء تدمع، فماذا تعني»؟ اجاب الشاب: «هذه بسيطة. انها تعني ان السماء تمطر». قال نيرودا: «هل رأيت؟ هذا هو المجاز. هذه هي الاستعارة».

يريد ماريو ان يكون شاعراً بأي ثمن، لكنه يخفق في ابتداع اي استعارة شعرية. وهكذا يحاول نيرودا ان يمد له يد المساعدة. فيقول للساعي: «انك الآن سوف تسير في محاذاة الشاطئ نحو الخليج. وفيما انت تراقب حركة البحر، سوف تخترع الاستعارات» رد الشاب:

ـ هات. اعطني مثلاً.

حسناً. اصغ الى هذه القصيدة:

هنا، على الجزيرة، البحر. الكثير من البحر. انه يفيض من حين الى حين. يقول نعم، ثم لا. ثم لا. يقول نعم، بالازرق، ثم في الرغوة، ثم في العَدوِ كالفرس. ثم يقول لا ثم لا. لا يمكنه السكون. يكرر القول: انا البحر. اسمي البحر. يقرع على حصاة لكنه لا يقنعها. ثم، بسبعة السن خضراء، وسبعة نمور، وبسبعة بحار خضراء، يداعب الحصاة، يرطّبها، يدق على صدرها، مكرراً اسمه. انا البحر!.

ثم تطلع الشاعر في الساعي وسأله: ما رأيك؟ اجاب: «شيء غريب». فقال الشاعر: «آه، انك ناقد قاس». فأجاب الساعي: لا يا سيدي. القصيدة نفسها لم تكن غريبة. الغريب هو الشعور الذي ساورني وانت تلقيها. آه، كيف اشرح لك الامر؟ عندما كنت تلقي القصيدة، كانت الكلمات تذهب من هنا الى هناك.

* اذن، كالبحر!

ـ اجل. كانت تتحرك تماماً مثل البحر.

* ذلك هو الايقاع.

ـ وشعرت بالغرابة، لأنني مع تلك الحركات شعرت بالدوار.

* شعرت حقاً بالدوار؟

ـ طبعاً. لقد كنت مثل مركب يتقاذفه النو فوق كلماتك.

* هل تعرف ماذا فعلت لتوك يا ماريو؟

ـ لا. ماذا تراني فعلت؟

- لقد اخترعت استعارة رمزية. لقد دخلت لغة الشعر!