الانتخابات على طريقة أهل الإمارات

TT

يمثل الفصل التشريعي المقبل للمجلس الوطني الاتحادي في دولة الإمارات العربية المتحدة أحد الفصول المهمة، إن لم يكن أهمها على الإطلاق، من حيث طبيعة المهام المناطة به، ولعل أكثرها أهمية توسيع صلاحيته من النطاق الاستشاري إلى التشريعي، وتفعيل دوره الرقابي من حيث الأدوات البرلمانية كالاستجواب وتشكيل لجان للتحقيق وسحب الثقة من الحكومة، بالإضافة إلى توسيع نطاق العضوية. ويدلل ما سبق على مدى أهمية المجلس المقبل ومن ثم أهمية مضمون التركيبة التي سيحتويها، والتي لا بد أن تكون مستوعبة وممثلة لمختلف ألوان الطيف الاجتماعي والفكري والسياسي، وأن يكون اختيارها مبنياً بشكل دقيق على معيار الكيف وليس الكم ليأخذ في اعتباره كل الجوانب السابقة حتى يأتي المجلس القادم بالفعل مختلفاً عن سابقه جوهراً ومضموناً، وليس فقط من حيث الشكل. فالانتخابات في النهاية هي وسيلة وليست غاية، وتعد إحدى آليات الديمقراطية التي ترتكز روافعها الأساسية على الحرية والعدالة والمساواة. فتحديد درجة ديمقراطية المجتمع يعتمد بالدرجة الأولى والأخيرة على مدى ممارسة وتطبيق المبادئ والسمات العامة التي تشكل النسيج الأساسي لأي نظام ديمقراطي سواء من قبل المواطن أو المسؤول. كما أن الركائز السليمة التي ينبني عليها أي نظام ديمقراطي حقيقي ينبغي أن تستند إلى الأسس التالية:

1ـ التعددية: من حيث إتاحة وحرية تعدد وجهات النظر، والسماح بتشكيل الأحزاب السياسية للتعبير عن الرؤى والمصالح المختلفة في المجتمع.

2 ـ المساواة: وتتضمن منح كل المواطنين نفس الحقوق بعيداً عن التمييز بينهم على أساس الدين أو العرق أو اللون أو الجنس أو الانتماء السياسي. فكل المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات.

3 ـ المشاركة: ضمان حقوق المواطن في المشاركة في مختـلف مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والمدنية.

4 ـ حرية التعبير: ضمان حرية التعبير عن وجهات النظر، وإعطاء الفرصة للأقليات للتعبير عن نفسها وإبداء وجهات نظرها، وإطلاق حرية الصحافة.

5 ـ الانتخابات: ضمان إجراء انتخابات على مختلف المستويات ولجميع الهيئات، على أن تكون هذه الانتخابات عامة وسرية ونزيهة وأن تتم بشكل دوري.

6 ـ الشفافية والمحاسبة: حيث يجب إيجاد الآليات التي تمكـّـن  الشعب من الاطلاع على ما يدور في مؤسسات الدولة، وعلى نحو يمكـّـنـه من محاسبة ومساءلة المسؤولين في مختـلـِـف المجالات والمستويات.

7 ـ محاربة الفساد والمسؤولين عنه: وذلك لمنع أصحاب السلطة والقرار من سوء استخدام السلطة.

8 ـ احترام القانون والدستور من دون تمييز: حيث إن جميع المواطنين متساوون أمام القانون. وعلى كل فرد أن يحترم القانون ويخضع لأحكامه بالتساوي مع الآخرين.

9 ـ الرقابة على الحكومة: حيث يجب إيجاد قيود دستورية على عمل الحكومة، وإيجاد آلية رقابة مهمتها متابعة عمل هيئات الدولة المختلفة.

10 ـ الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، والعمل على استقلال القضاء.

11 ـ احترام حقوق الإنسان وفق المواثيق والأعراف الدولية الإنسانية.

ولئن كان النظام الانتخابي هو عبارة عن مجموعة قوانين لإجراء الانتخابات، فإنه يرتبط بثلاث قضايا أولية عامة:

أولاً: نطاق المنصب المنتخب (حين تكون المناصب تتم عن طريق الانتخاب).

ثانياً: مدى الحق الدستوري، أي تحديد من بمقدوره التصويت أو من الذي يمتلك حق التصويت.

ثالثاً: الإقبال، أي نسبة المشاركة في التصويت أو عدد المدلين بأصواتهم في الانتخابات.

ومن أهم سمات النظام الانتخابي نطاقه. فالمناصب التي تخضع للانتخاب تعد قضية جوهرية تماماً كما هي قضية من يحق له التصويت. فكلما تعاظم عدد المناصب الخاضعة لانتخابات تنافسية أصبح النظام السياسي أكثر ديمقراطية. كما يُعتبر الحق الدستوري (أي من يملك حق التصويت أو من يقدر عليه) عنصراً آخر مهماً للقوانين التي تحكم الانتخابات.

وفي معظم الديمقراطيات حالياً، يمتد الحق الدستوري ليشمل تقريباً جميع المواطنين الذين تصل أعمارهم إلى سن الثامنة عشرة. وبغض النظر عن التأطير النظري السابق، فإن العبرة في النهاية يجب أن تكون بالدرجة الأولى بناتج الانتخابات، وليس بالشكل الذي تمت به، بمعنى هل يمثل ذلك الناتج مختلف الأطياف الفكرية والاجتماعية والسياسية أم هو تكريس لسيطرة نخبة أو فئة ما قد تكون سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. لقد أثار الإعلان عن أسماء المرشحين لانتخابات المجلس الوطني المقبل لغطاً وتساؤلات، وأوجد حزازات وحساسيات لم تثرها المجالس السابقة من حيث المعايير التي تم على أساسها اختيار أسماء وإغفال أخرى. ففي المجالس السابقة، كانت المعايير المتبعة لتعيين الأعضاء لا تعني الناس في شيء من باب أن المساواة في الظلم عدالة. لكن ما جرى من ترويج للحملة الانتخابية المقبلة والإعلان المصاحب لها في وسائل الإعلام كان عاملاً سلبياً أسهم في زيادة ضبابية الرؤية، بدلاً من توضيحها، ونجح في شحذ الهمم من أجل المشاركة في الانتخابات التي اعتقد الجميع أنهم معنيون بها قبل أن يستفيقوا على صدمة أن هذا الحق هو امتياز مقصور فقط على فئة لا تتعدى ستة آلاف وستمائة وتسعة وثمانين شخصاً، بينما الباقون أماكنهم محجوزة في مقاعد المتفرجين، حالهم في ذلك لا يختلف عن حال الجماهير من خارج الإمارات من دون معرفة الأسباب التي أدت إلى إقصائهم.

وبدلاً من تأسيس وعي سياسي ديمقراطي يؤكد ما جاء في نص المادة الخامسة والعشرين من الباب الثالث الخاص بالحقوق والواجبات العامة في دستور دولة الإمارات، والتي تنص على أن جميع الأفراد أمام القانون سواء، ولا تمييز بين مواطني الاتحاد على أساس الأصل أو الموطن أو العقيدة الدينية أو المركز الاجتماعي، بدلاً من ذلك تم ترسيخ التمايز وتكريس عدم المساواة بشكل يجعل العملية الانتخابية المقبلة أقرب ما تكون إلى النموذج الإسبرطي.

إن تأسيس ثقافة انتخابية أهم من الانتخابات ذاتها، وهو أمر لا يتأتى بالمشاهدة فقط، بل بالمشاركة بالدرجة الأولى، ليس بالضرورة على النطاق العام، لكن يمكن البدء بالممارسة الانتخابية على النطاق الجزئي على مستوى المحليات في شكل مجالس أحياء ومجالس بلدية منتخبة تشكل بعد ذلك الأساس الذي يمكن أن يتم على ضوئه اختيار المرشحين للمجلس الوطني من قبل السلطات المحلية. وبهذا، نكون قد رسخنا مبدأ الاختيار للأصلح وأضفينا على المشهد الانتخابي مسحة ديمقراطية لا تشوبها شائبة.

لا شك في أن أي تجربة لا بد أن تعترضها في بدايتها عثرات وتشتمل على بعض الهنات والأخطاء، لكن كانت هناك فرصة تاريخية للجهة المعنية لإخراج المشهد الانتخابي الإماراتي عير استثمار المزاج الإصلاحي لكي تضع مرئياتها ومقترحاتها ليسترشد بها صانع القرار في اختياراته، خصوصاً أن هذه الجهة تضم في صفوفها أفراداً ممن يتمتعون بمستوى عالٍ من العلم والفكر والمعرفة، ومن ثم تأتي الشريحة المنتقاة عاكسة لتطلعات الإماراتيين في تغيير حقيقي وجوهري، يحقق لدولتهم قفزة نوعية تضعها في موقع متقدم ضمن الدول على سلم الديمقراطية والحرية.

* أستاذ العلوم السياسية ـ جامعة الإمارات