الانتخابات النيابية الإماراتية.. رؤية من الداخل

TT

لعل اللافت في المشهد الانتخابي الإماراتي، المقبل على تجربة انتخابية فريدة من نوعها في ديسمبر المقبل، هو أن المجتمع المحلي ربما يختلف عن غيره من المجتمعات الخليجية والعربية، فعلى الرغم من عدم وجود معارضة قوية، كما هو الحال في دول المنطقة الأخرى، أو حتى فعاليات سياسية لها حضورها الفعال تطالب بهذه الانتخابات والمشاركة الشعبية، فإن القرار كان حاضرا لرئيس الدولة، ولنقل مفاجئا في حينه، عندما عرض في عيد الدولة الرابع والثلاثين خطته المستقبلية للتحديث السياسي فيما يتعلق بالمشاركة السياسية في بلاده، وهو ما يعتبره المراقبون استباقا وتحضيرا لمراحل متقدمة، من المهم جدا أن تكون الدولة مستعدة هي وشعبها للمضي في مشاركة شعبية مستقلة وغير مفروضة، وهذا لا شك أمر يحسب للسلطات الاماراتية، وبالتأكيد سيحمله المواطنيون لحكومتهم التي اشركتهم في اتخاذ القرار، قبل أن تأتي المطالبة منهم، أو من غيرهم، كما هو حال كثير من الدول. ولو أخذنا حصرا سريعا للدول التي أسست لمشاركة شعبية وتوسيع ديمقراطيتها، فإن المطالبة الشعبية كانت محورا رئيسيا للقرار السياسي في إحداث هذه المشاركة، وهو ما كان مختلفا لدى القرار الاماراتي.

أمر آخر يستحق التأمل في التجربة الاماراتية في دلفها نحو انتخاباتها البرلمانية، هو ذلك التفاعل الواضح من قبل فئات المجتمع بأسره، وفي الامارات السبع في تجربته الوليدة، والذي أضحى حديث الشارع الاماراتي ضمنا ومضمونا، فالناس بدأوا يتفاعلون سريعا مع حدث لم يألفوه أصلا، ومع أن الطريقة التي سنتها أبوظبي هي الأولى من نوعها ـ هيئة انتخابية مكونة من 6689 مواطنا تختار 20 نائبا في البرلمان ـ إلا أن ذلك لا يمنع من أن (آلاف) الإماراتيين سيتوجهون لصناديق الاقتراع، لاختيار 20 من ممثليهم في المجلس الوطني المرتقب (البرلمان) في عملية ديمقراطية، وهو ما سينعكس على استيعاب كافة افراد المجتمع للعملية الانتخابية، وهو ما تسعى إليه السلطات الرسمية في فرض الايقاع التدريجي للثقافة الانتخابية، بحيث لا تتكرر سلبيات شهدتها مناطق أخرى بتغير 180 درجة نحو الإنتخابات الكاملة.

هنا لا بد من الإشارة على أن الإماراتيين، يبدون ضيقا من ربط تجربتهم الانتخابية الأولى بدعوة الولايات المتحدة دول المنطقة لتعزيز الاصلاحات السياسية، ولعل الاماراتيين، وربما في هذه معهم حق، يرون أن خارطة قراراتهم السياسية السابقة لم تكن مرتبطة بدعوات خارجية، وإنما في حاجة ماسة رأوا تقديمها لمواطنيهم، ولا أعلم كيف يربط الناس التجربة الانتخابية الاماراتية، بالضغوط الأمريكية، التي اصلا فقدت حماستها، وقللت من حدتها السابقة في هذا الشأن، كما أن هذا الربط أمر لا يمكن الجزم به اطلاقا، طالما أن التحولات السياسية في العالم أجمع تذهب إلى تحديث أنظمتها ومؤسسات مجتمعها المدني وتعزيز المشاركة الشعبية لمواطنيها، فهل تمتنع الدول عن إجراء إصلاحات سياسية فقط، لأن الولايات المتحدة طالبت بذلك؟

بقي أن نشير إلى أن الإماراتيين تمكنوا من التكيف سريعا مع التوجه العام نحو الانتخابات الجزئية المقبلة، بل ان صوتهم بدأ يعلو بأن هذه المرحلة ما هي إلا خطوة تأسيسية نحو الانتخابات الكاملة وتعزيز الأدوات الديمقراطية، وهو الأمر الذي يثبت أن الخطوة الأولى قد بدأت من قبل الدولة، فيما يظل تعزيز هذه الخطوة في أيدي المواطنين، فهل يتفاعل ابناء الامارات ويستلموا راية التحديث الديموقراطي في بلادهم؟ ربما سيكون الحديث مبكرا قبل أن نرى ماذا سيقدم البرلمان المنتظر، عندها ستبدو ملامح التجربة الانتخابية الاماراتية قد ألقت بظلالها، إيجابا أو سلبا، على الجميع، وحينها، فقط، يمكن على الأقل من الناحية المبدئية، تحديد مسارها المستقبلي وإلى أين ستمضي.

* مسؤول التحرير في جريدة «الشرق الأوسط» في الإمارات العربية المتحدة