في الطريق إلى «التايمس»

TT

أترقب «وجهات نظر» كل شهر منذ صدورها قبل ثماني سنوات. وبرغم التفاوت، الذي هو سمة الحياة الدنيا، فإنني لم اشعر مرة بخيبة. لقد ملأت المجلة فراغا كان قائما منذ غياب او وهن المجلات الأدبية الشهرية. بالغياب اعني «الرسالة» كمثال، او «الحكمة» اللبنانية او «شعر»، وبالوهن اعني كمثال، «الآداب» كمدرسة عريقة او «الهلال» التي انحسرت الى الداخل المصري.

المؤسف ان «وجهات النظر» صدرت على ايقاع خاطئ. فقد قدمت نفسها على ان نجمها هو الاستاذ محمد حسنين هيكل، الذي اثراها بعدد من المقالات، ثم اعتزل لينتقل من المكتوب الى الملقى. واعتقد ان الاثنين خسرا. المجلة والكاتب الذي اعتادته الناس مفكرا لا راوية. ولا شك ان «وجهات نظر» فقدت اذ فقدت هيكل. لكن حجم فقدان المساهمة الهيكلية طغى كثيرا على ما فيها من مكاسب ومعارف وفكر، بدءا بما يكتبه رئيس تحريرها سلامة احمد سلامة. والرجل ليس هيكل ولا رفيق عبد الناصر ولا شاهدا من داخل الحدث وعالم القادة، لكنه ايضا مفكر شديد الارتقاء، كثير الموضوعية، مستقبلي الرؤى، مشغوف بالهم الوطني والقومي كانسان ومواطن وليس كزعيم او خطيب او ملقن.

ما هو النقص الكبير في «وجهات نظر»؟ بالنسبة الى رجل في جيلي وله اهتماماتي وهمومي، لا شيء. انها تقدم اليّ كل ما يسرني وكل ما يزيدني معرفة. ولكنني اعتقد ان في هذا المشروع المحترم والمقدر نقصا جليا: ان «وجهات نظر» تقدم لنا الكتّاب المعروفين والمصنفين والمعترف بهم، وليست مصنعا او منصة لإطلاق الكتّاب الجدد، كما كانت «الرسالة» او «الآداب» في مرحلتها. وهذا نقص مسيء في تاريخ المجلات الفكرية الريادية. لقد سألني مرة مدير تحرير المجلة الاستاذ ايمن الصياد، الذي له الكثير مما فيها من لمعان وفرادة وحسن انتقاء، لماذا لا اكتب «لوجهات نظر». وقلت له بكل بساطة ان الكتابة للمجلة مرتبة ادبية. او رتبة. لكنني للأسف الشديد لا املك الوقت. وقلت للزميل النابه والشديد الحماس والكثير الاستقلالية، اتمنى ان تبحث عن كتّابك في الصفوف غير المحترفة. بدل العودة الى الدكتور زكي مبارك ابحث عن دكتور شاب في جامعة القاهرة. حاول ان تعثر في «الاهرام» على سلامة احمد سلامة آخر. فلتكن «وجهات نظر» هي المقياس الابداعي للصحافيين الجدد: من يستحق الكتابة فيها فقد صارت له رتبة مكتسبة. فلتكن هي، مثلا، «السبكتاتور» البريطانية التي يلتقي فيها كتاب من جميع الصحف. فإذا نشرت لهم «السبكتاتور» لم يعد احدهم محررا في «الديلي ميل» او «الديلي ميرور»، بل اصبح كاتبا في الطريق الى «التايمس».