رمضان جديد والقاهرة قديمة!

TT

رمضان جعل من مدينة القاهرة مدينة أخرى.. لم نكن نعرفها قبل رمضان.. أين كانت هذه الألوان.. وهذه الأطعمة وهذه الأصوات.. وأين كان هؤلاء المؤمنون الذين يتزاحمون على مسجد الحسين ظهرا وعصرا؟ ويحرصون على أن يشتروا الخبز الساخن من حي الحسين.. والفجل والفول والطعمية من حي الحسين.. وأين كانت محلات الطرشي هذه.. وهذه الكميات الهائلة من البخور واللبان.. وهذه المسارح وهذه المعارض الكبيرة لبيع الكتب بأسعار مخفضة.. وهذا العدد الهائل من الذين يقرأون.. وما الذي يقرأون أيضا.. إن الإقبال على شراء الكتب الدينية هائل.. وإقبال الشبان على قراءة القرآن وكتب التفسير والأحاديث الدينية وقصص السيرة النبوية كل هذا يبعث على الدهشة والإعجاب..

أما في الليل، فالأنوار باهرة.. والعطور ساحرة. والزحام الهادئ حول المساجد واليها وفيها.. وأناس في سيارات كبيرة وأناس يدفعون أمامهم عربات صغيرة.. وأناس كأنهم جاءوا وأتوا من العصر الفاطمي، وأناس كأنهم جاءوا من القمر.. ملابسهم بيضاء لامعة.. وأحذيتهم عالية.. ووجوههم مغسولة.. وقد أحاطوا أنفسهم بملابس مقفلة ملتصقة وبلا جيوب.. وأشقاء من ليبيا ومن السودان ومن الأردن ومن الخليج يشربون قمر الدين السوري، ويأكلون اللوز التركي، والجوز الإسباني والزبيب القبرصي.. ويستمعون إلى الأناشيد والتواشيح الأندلسية..

وبين لحظة وأخرى يقترب منهم رجل يمسك مبخرة وقد التفت حوله مسبحة وطالت لحيته ولمعت عيناه.. ويستجير بالله قائلا: حي..حي..

ويدور السائحون بين الناس في سعادة واضحة.. تماما كما كنا نفعل في الأعياد الدينية في اليابان في مدينة كيوتو.. أو في مدينة الفاتيكان..أو في مدينة أسيزى التي ولد فيها القديس فرانشيسكو.. وكان كل واحد منا يحمل حيوانا صغيرا على صدره: قطة.. كلبا.. عصفورا.. فقد كان القديس يحب الحيوانات، يحب كل مخلوقات الله..

لا بد أن الزائر الأجنبي سعيد بما يراه في القاهرة، فلا هو رأى ذلك في بلاده.. ولا نحن رأينا ذلك قبل رمضان!