الثورة الإسلامية والرقابة.. دنو الأجل!

TT

تبدأ الثورة مثل حلم جميل، مثل فجر مليء بالانتعاش والضياء. ويوما اثر آخر، وسنة اثر أخرى، تتغير الثورة. وقبل النصر كان الناس يتحدثون عن أحلامهم وحريتهم وحقوقهم وما الى ذلك. وبعد النصر تتمثل المهمة في الدفاع عن الثورة والصراع مع الأعداء. من هم أعداء الثورة؟ وما هي معايير تشخيص الأعداء؟ ومن هو الحَكَم؟

وبعد عقود من الزمن تغير الثورة هويتها. وهذا هو مصير جميع الثورات الشهيرة، مثل الثورة الفرنسية عام 1789 وثورة اكتوبر في روسيا. وعبر ابعاد كثيرة نستطيع أن نفسر الارتقاء في تاريخ اية ثورة. وفي هذه المقالة أود التركيز على قضية الرقابة. وأريد الاجابة عن السؤال التالي: لماذا تبدأ الثورة بشعار الحرية وتستمر متحولة الى الرقابة؟ هل هو مسار محتوم؟

لماذا أفكر بهذه القضية؟ لأن روايتي الخامسة منعت من جانب وزارة الثقافة والإرشاد! والمثير للاهتمام أن هذه الوزارة هي الوزارة التي كنت وزيرا لها لمدة عامين. وقبل عشرة اشهر ارسلت لهم الرواية من اجل الحصول على ترخيص لطباعتها. وبعد ستة اشهر أبلغوني بأنهم كانوا قد فقدوا نص الكتاب، فأرسلته ثانية. والآن وبعد عشرة اشهر ابلغوني، بأن الكتاب محظور نشره، ولكنهم لم يذكروا السبب، بل لجأوا الى الصمت المطبق. ومن ناحية ثانية ترجمت رواية «موسم الهجرة الى الشمال» للكاتب السوداني الطيب صالح، وحتى الآن ما زلت انتظر اجازة الطباعة.

وفي الفترة الأخيرة أعلن البرلمان الايراني تقريرا حول الأدب والسينما. وكان التقرير حول مسؤوليتي كوزير للثقافة، حيث زعموا ان 80 في المائة من الروايات والقصائد التي نشرت في حينه لم تكن مقبولة، باعتبار أن كل تلك الكتب كانت ضد الاسلام والخالق، فيما ذكروا في وثائقهم بعض الكتب مثل «أنّا كارنينا» لتولستوي و«خسرو وشيرين» وهي كتاب الشعر الشهير لنظامي. وتعتقد لجان البرلمان انه توجد مشاكل في هذه الكتب.

أتذكر خطاب قبول غونتر غراس لجائزة نوبل حين قال:

«ذلك هو ما يجعل تاريخ الدب نظيرا لتطور الرقابة... ونحن نعرف أن الرغبة في تدمير كتاب مكروه ما تزال جزءا من روح عصرنا... ان ما يجعل الكتب ومؤلفيها خطرين هو أن الكنيسة والدولة، والمكاتب السياسية ووسائل الاعلام الجماهيري، تشعر بالحاجة الى معارضتهم».

اوروبا سارت في هذا الاتجاه وحظرت الكثير من الكتب، وشاهدنا البابا بينيديكت السادس عشر يدافع عن الفلسفة ويحاول بناء جسر بين العقيدة والفلسفة. هذه ثمرة لتاريخ مرير، فالبابا انوسينت الثالث أصدر تعليمات بحظر كتب آبيلاردز وأمر بحرقها، كما أدانت الكنيسة كل أعمال روجر بيكون وحكم عليه بالسجن 14 عاما، هناك ايضا كتاب جاليليو، الحوار بين النظامين العالميين الكبيرين حظر بواسطة البابا اوربان الثامن... وحظرت كتب كل من شكسبير ودانتي وبوكاسيو وغوته وكانت وجويس، حتى الانجيل وألف ليلة وليلة. ما هي النتيجة؟ ومن الذي كسب هذه الحرب بين السلطة والكلمة؟

هل نريد إعادة التاريخ؟

نقول عادة اننا نفخر بأن ديننا دين كتاب، والكتاب كان معجزة نبينا. المسلمون يستمعون الى القول ويتبعون أحسنه، وهذا هو مسلكهم.

قالت ليان كاتز، المديرة التنفيذية للتحالف الوطني ضد الرقابة ان «الرقابة تحمي الجهل».

يعني ذلك انهم يخشون النور والكتاب والروائيين. الشعراء يريدون ان يتذكروا الذاكرة الضائعة لشعبهم او كل شعوب العالم. كما قال كافكا، انهم يريدون ايقاظنا عندما نكون في نوم عميق ومنزلنا يحترق، مسؤولية الفنانين إطلاق الصرخات وليس غناء لحن ناعم.

على سبيل المثال، آخر روايات باولو كويلو محظورة في ايران، رغم انها مترجمة الى 43 لغة، نشر هذا الكتاب لأول مرة في ايران ثم حظر فورا. في هذا المواجهة ضد الرقابة ستنتصر الكلمة والفن في نهاية الأمر، ولهذا فالفنانون والكتّاب اكثر براعة من السياسيين، وأفضل الأسباب لدعم وجهة النظر هذه هو انهم يختارون اولا الكلمة، أي جوهر الوجود، وثانيا لأنهم يعرفون كيفية مواجهة الرقابة. عباس كياروستامي من اشهر المخرجين السينمائيين الايرانيين، وهو في هذه الأيام يعمل في انتاج فيلم غريب اسمه «صرخة» تشارك فيه اربعة أجيال من الممثلات جميعهن يبكي أمام الكاميرا.

هل هناك من يعتقد ان هذه الفيلم يمكن ان يخضع للرقابة؟ الإجابة واضحة وهي بالتأكيد لا. بوسع الفنان ان يجد طريقه من خلال الرقابة.

اقوى رقابة كانت توجد في الاتحاد السوفياتي، أين ستالين الآن؟ وأين نوبوكوف؟ اين السيف وأين الكلمة؟

عندما اختارت الثورة الرقابة كاستراتيجية، يعني ذلك اننا نواجه غروب شمس الثورة. عندما تخاف الثورة من الصحف والانترنت والفضائيات، فإن ذلك يعني ان الحرية، التي تمثل جوهر وعمق الثورة، قد بدأت تموت.

قال برنارد شو: «كل رقابة تريد منع أي شخص من تحدي المؤسسات الحالية الموجودة. يعني ذلك ان الثورة في البداية تأسست على الوعي، لكنها في النهاية ستنقلب ضد جذورها وتأكل أبناءها.