وصفة جيدة لترويض كوريا الشمالية وإيران

TT

من الواضح أن لكوريا الشمالية طريقتها الخاصة للتعامل مع جهود ومساعي الولايات المتحدة، الرامية الى إقناع الجهات المصرفية بعزل الأنظمة التي تروج لإنتاج الاسلحة النووية والإرهاب. من غيرها يتجرأ بإعلان إجراء تفجير نووي تجريبي ويهدد بالمزيد، ويستمر في نفس الوقت في النزاع مع الجهات المصرفية بشأن مبلغ 24 مليون دولار؟

ألا يعني ذلك أن لدى بيونغ يانغ محامين متميزين؟

مساعي كوريا الشمالية لتبرير التفجير التجريبي الأخير بـ«العداء الاقتصادي» من جانب الولايات المتحدة امر يبعث على الضحك، ويوضح ان قادة نظام بيونغيانغ، الذين تسيطر عليهم الأوهام والظنون، يصدقون الدعاية الممقوتة التي يطلقونها بأنفسهم. إلا انه لا يوجد ما يجبر الأميركيين على تصديق هذه الدعاية.

ربما يكون من غير اليسير التعامل مع نظام مثل نظام بيونغ يانغ أو حتى ردعه بالمعنى التقليدي، حسبما تعتقد ادارة بوش. إلا ان تهديدات بيونغ يانغ، يجب ان تؤخذ مأخذ الجد وتقابل بأشكال جديدة من الاحتواء والضغوط. ينطبق نفس الشيء على ايران، الهدف الرئيسي الآخر لمساعي وزارة الخزانة الاميركية الرامية الى عزل مثل هذه الدول من النظام المالي العالمي، من خلال لفت الانتباه الى استخدامها للمصارف للعمليات المشبوهة.

ستيوارت ليفي، وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الارهاب واستخبارات الأنشطة المالية، يرى ان الهدف اذا كان الضغط على كوريا الشمالية، فإن الولايات المتحدة قد نجحت في هذا الجانب. وكان ليفي قد انضم الى نائب وزير الخزانة، روبرت كيميت، في جولة شملت عددا من الدول بهدف إقناع حكوماتها بفحص الصلات المالية بالطرفين المتبقيين في محور الشر الذي حدده الرئيس بوش وقطع هذه الصلات ان دعا الأمر.

ويشرح ليفي قائلا ان وزارة الخزانة تستهدف الجهات التي يمكن ردعها، أي الجهات التي تعمل في مجال المال والأعمال التجارية، والتي تحرص على سمعتها ولا تريد الدخول في أنشطة مشبوهة. ويقول ليفي ان هذه الجهات تتخذ القرارات حول استمراراها في اعمالها، مؤكدا ان وزارة الخزانة لا تتخذ لهذه الجهات قراراتها.

يدحض ليفي وصف كوريا الشمالية لسياسة الولايات المتحدة بأنها قائمة على اساس «عقوبات» بدوافع سياسية. فمساعي وزارة الخزانة تستهدف عمليات محددة مثل تزوير العملة الاميركية وتحويل أموال مستخدمة في تهريب المخدرات والأسلحة، وحتى بعض العناصر التي تدخل في إنتاج الاسلحة الكيماوية، فضلا عن تمويل العمليات الارهابية.

أكد ليفي ايضا أن الولايات المتحدة كانت قد رفعت العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية عام 2000 ولم تفرضها ادارة بوش مجددا، كما أكد أن ما تفعله وزارة الخزانة الأميركية الآن هو أنها تلفت الانتباه الى مخاطر التورط في مثل هذه العمليات.

أول إجراء مالي جدي اتخذته الولايات المتحدة كان ضد «بانكو دلتا آشيا» في ماكاو، وهو المصرف الذي توصلت وزارة المالية العام الماضي الى ان له اهمية لدى بيونغ يانغ فيما يتعلق بغسل الأموال. وجمد المصرف، الذي يعمل تحت سيطرة الحكومة الصينية، ارصدة كورية شمالية تقدر بحوالي 24 مليون دولار، بدلا عن المخاطرة بخسارة جانب الولايات المتحدة وبعض الأعمال الاخرى. ولا تزال بيونغ يانغ تشعر بالغضب ازاء هذا العمل الذي تعتبره إهانة كما بدا واضحا من التصريحات الرسمية التي اعقبت هذه الإجراء.

ويرى ليفي انه من الضروري النظر الى ما هو ابعد من التطورات التي حدثت خلال هذا الاسبوع، اذ يعتقد انه من المهم، على سبيل المثال، النظر الى مدى تقبل وزراء المالية لفكرة انه يجب عليهم لعب دور مهم بالمنطقة في الأمن العالمي والاستخبارات.

ولنا أن نذكر هنا أن ايران اضطرت الى الإعلان قبل ثلاثة اشهر عن تراجع منتجاتها النفطية، ويقول خبراء في هذه المجال ان السبب في ذلك هو افتقار ايران الى استثمارات جديدة في قطاع النفط وصعوبة حصولها على تكنولوجيا جديدة من الخارج، لتجديد حقولها النفطية المتدهورة. وزاد الامر سوءا حظر بنك الصادرات الايراني من بيع او شراء الدولارات من البنوك الاميركية، بسبب دور هذا البنك في تحويل ملايين الدولارات الى جماعات ارهابية.

ولنا أن نذكر أيضا تنبؤ لينين في الأيام المبكرة للاتحاد السوفياتي، بأن الرأسماليين سيبيعون له الحبل الذي سيشنقهم به، لكنه خسر الرهان عندما عجزت موسكو عن مقابلة التزامات حكم الامبراطورية.

وأخيرا فشاهد القول هنا، أن جهود ومساعي وزارة الخزانة الاميركية لمنع نظامي كوريا الشمالية وايران من الوصول الى رأس المال العالم، يجب ألا تتوقف بسبب الجعجعة النووية من بيونغ يانغ وطهران.

* خدمة «مجموعة كتاب

واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»