مع انتخاب الأمين الجديد.. خلطة أنظمة وعقائد

TT

يتسلم الأمين العام بان كي مون الجديد مهامه، في عالم أكثر حيرة وقلقا وخوفا مما كان عليه عندما تسلم كوفي أنان. الأفريقي شهد أفول القرن الماضي من تاريخ ومسار الأمم، والآسيوي يبدأ عمله بعدما تبين أن دخول القرن الحادي والعشرين لم يغير شيئاً من سلوك العالم وأحوال الدول ومخاوف الشعوب. ولنأخذ الصين، الدولة الأكثر عددا. إنني ألاحظ، من دون القدرة على الوصول إلى أي استنتاج، على أن الصين لا تزال ترفع صور ماو وتماثيله واحياناً تعاليمه، بعد ثلاثين عاماً على وفاته، أي ثلث قرن. ولكن هذه الصين تعود أيضا، بوتيرة مذهلة، إلى تعاليم فيلسوفها وحكيمها الأول كونفوشيوس، الذي حاول الشيوعيون أن يمحوا اسمه وتعاليمه من الذاكرة. ولا تزال بكين تصر على أن نظامها شيوعي. لكنها الآن في صدد اجتذاب ما يزيد على 21 مليارا لرأسمال مصرفها الأكبر. وسوف تأتي هذه الأموال من أنحاء العالم الرأسمالي. وأكبر وحدة مالية سوف تأتي من الكويت (720 مليونا)، كما تقول «بيزنس ويك» العربية. يا للصدف. لقد كانت الكويت أول دولة في الخليج تعترف بالصين الشعبية الشيوعية، وحقها بمقعد الصين في مجلس الأمن قبل أربعين عاماً. أما اليوم فإن بورصات الصين تتعاطى مع المال مثل دولة رأسمالية صغيرة تدعى الكويت. وأما العراق الذي كان حليف الصين وساعيا إلى النموذج الاشتراكي في الزراعة والصناعة والتأميم، فهو الخائف الآن على وحدته ومستقبله ومصيره، فيما تنعم الكويت بازدهار غير مسبوق.

كيف يتطور هذا العالم؟ في أي اتجاه؟ ولماذا؟ لا أدري. كان ماركس يقول بديكتاتورية البروليتاريا لكل هذا الكون. والأسبوع الماضي أعلن أن أغنى امرأة في بلاد البروليتاريا الصينية و«الثورة الثقافية» جمعت نحو 4 مليارات دولار من العمل في إعادة تصنيع.. القمامة. هل يعود ذلك إلى سنوات ماو التي مهدت للدولة المزدهرة؟ هل يعود إلى الطبع الكونفوشيوسي في الإنسان الصيني؟ هل يعود إلى التطور التاريخي ومسيرة العالم أجمع؟ لا أدري. كل ما نعرفه أن العملاق خرج أخيرا من القمقم. وأن جاره، ذلك العملاق الكسيح الآخر، الهند، يقدم الآن على شراء صناعات الفولاذ في بريطانيا، أم الثورة الصناعية ومستعمرته السابقة، وفي فرنسا، وربما في كل مكان بعد قليل.

ما هو النظام القائم في الهند؟ لا احد يدري تماماً. لا يزال فيه الكثير من اشتراكية نهرو وصرامة إرثه وثقافة «حزب المؤتمر»، لكن فيه ايضاً الوان طيف حداثي وبصمات التطور العلمي الذي تلقنته الهند في العقود الماضية، كما تلقنته اليابان من قبل. وفيما لا تزال اميركا متقدمة علمياً عشرات السنين على آسيا، وحتى على المتقدم جداً من اوروبا، فإن اوضاعها الاقتصادية تسير نحو التعثر، كيف؟ لماذا؟ لا ادري. وكل الجوابات التي تعرض في هذا الباب، تزيد المسألة غموضاً. الثابت انه ليس في هذا الكون جواب واحد لكل الاسئلة. انه عالم نفيق ونراه فجأة قد انقلب: موسكو تطارد لينين وتطرد ماركس، وشانغهاي، رمز الافيون والخمول، ترتفع مثل نيويورك وشيكاغو.

الى اللقاء