رئيس أميركا المقبل!؟

TT

يتعين على باراك أوباما أن يرشح نفسه لانتخابات الرئاسة لأسباب عدة؛ أولا من أجل مصلحة حزبه، لأنه سيكون مما يقوض الثقة بالديمقراطيين في أن يخوضوا موسما تمهيديا مديدا مع الشخصية الأكثر إثارة في الحزب، وهو يظهر في البعيد مثل حلم عسير المنال. والمرشح الديمقراطي المقبل لا بد أن يكون إما أوباما أو آخر لا بد أن يكون في موقف يمكنه من إلحاق الهزيمة بأوباما.

ومن ناحية ثانية فانه يتعين على أوباما أن يرشح نفسه بسبب عمره، رغم أن عدم خبرته هي عيبه الأكثر وضوحا. ولنا أن نقول هنا إنه وخلال السنوات الأربع المقبلة يمكن أن يواجه العالم حرب إبادة أهلية في العراق، وموجة من الانتشار النووي، والمزيد من التطرف الإسلامي وتمرد الديماغوجيين ضد العولمة. فهل نريد حقا شخصا في حدود الأربعين من عمره في البيت الأبيض؟

ومع ذلك ففي كتابه الجديد باسم «جرأة الأمل» يقدم أوباما حجة مضادة قوية. فهو يشير الى أنه آن الأوان للانتقال الى ما بعد الأسلوب السياسي لجيل ما بعد الحرب العالمية الثانية. فقد قال في مقابلة معه يوم الثلاثاء الماضي إنه أسلوب شخصي وأخلاقي على نحو رفيع، يقسم الناس بين من هو جيد ومن هو سيئ.

وأوباما ذاته لديه عقلية شكلتها العولمة وليس طلاب الجمعية الديمقراطية. وارتباطا بعائلته المتعددة الإثنية وتنوع فترة طفولته، هناك جزء صغير من كل شيء في شخصية أوباما. فهو مهتم على الدوام بمناقشة داخلية بين الأجزاء المختلفة من الهجين الذي لازمه، وأعني تحديدا كينيا مع هارفارد، وكانساس مع الجانب الجنوبي من شيكاغو، وهو يأخذ تلك المحادثة الى العالم الخارجي.

والى ذلك فهو يكتب في كتابه قائلا «إن السياسة، شأن العلم، تعتمد على قدرتنا على إقناع بعضنا بعضا بالأهداف المشتركة المستندة الى واقع مشترك». وهو يرتاب بالغضب والحماس المبررين أخلاقيا، فيما لا يتعامل مع خصومة كشياطين، ويبلغ الجمهور بأنه لا يعتقد أن جورج بوش رجل سيئ. وفي المقابل فلدى الرجل ميل إلزامي لرؤية جانبي أية قضية. وقد عدد جو كيلين من مجلة «تايم» 50 مثالا على تعبير «من ناحية معينة» و«من ناحية أخرى» في الكتاب. وهو يبدو مثل الشخص الذي يقضي الـ 15 دقيقة الأولى في مطعم وهو يجادل المزايا النسبية للسمك مقابل اللحم.

ولي أن أذكر هنا أنني وخلال حديث معه ذكّرت أوباما بأن هناك جانبا في السياسة يدور حول السلطة لا حول النقاش، فأكد أنه برز من لا شيء، كي يصبح خلال سنوات قليلة شخصية وطنية بارزة، لذلك فهو يعرف شيئا ما حول الحصول على السلطة، لكنه ظل يعود إلى نمطه السابق.

أما السبب الثالث الذي يبرر أهمية قيام أوباما بترشيح نفسه للرئاسة فهو آراؤه حول المسائل العالمية. فعلى الأقل هو من خلال مفاهيمه حول العالم ليس شخصا شديد الليبرالية، فلديه أفكار طريفة مثل الطريقة التي تمتزج وفقها الثقافة بالاقتصاد لخلق الفقر في المدن. وهو يؤيد، من حيث المبدأ، مبدأ التجارة الحرة، ويرى أن الولايات المتحدة قد لا تملك أي خيار سوى أن تجرب في العراق طرائق مختلفة. أما المشكلة الأساسية القائمة في كتابه، فهي أنه لا يطرح اقتراحات تتعلق بالسياسات البديلة بعد تشخيصه ووصفه لمشكلة ما، إلا ضمن إطار الحزب الديمقراطي. لذلك فأنا أعطيه (زائد/ plus) للتصورات التي يطرحها ولكن مقابل (ناقص) للحلول التي يقترحها.

ومع ذلك فهو يعي المشكلة ولديه تفسيرات عديدة. وما هو مهم في هذا الحالة هو أنه مثل غوردون براون، وزير الاقتصاد البريطاني الذي يفكر بتحديات العولمة خارج الأطر التقليدية.

ومن وجهة نظري فإنني لا أتفق مع الكثير من تصورات أوباما، ولعلي سأنتهي في موقع الخصم له. لكن أي شخص راقبه عن كثب، يستطيع أن يكتشف أن أوباما هو نوع جديد من السياسيين. ومثلما لاحظ كلاين ذات مرة، فإنه من الأفراد النادرين: فهو ظاهرة ضخمة بمستوى حالة الإفراط على المستوى الإعلامي.وقد لا يكون ذلك مريحا بالنسبة له، لكن المستقبل لن يتطلب تماما المواهب التي في حوزته. ومن هنا يذهب تقديري الى أنه، وبغض النظر عما إذا كنت محافظا أو ليبراليا، فإن عليك أن تأمل في أن يرشح باراك أوباما للرئاسة.

*خدمة «نيويورك تايمز»