الصيني قبل غسيله

TT

لفت انتباهي في الاعلام البريطاني مؤخرا اهتمام متزايد بالصين تاريخا وحضارة وشعبا. وقبل ان اتورط في رأي، يجرني رغما عني الى الاسباب السياسية، التي دعت الى تجدد هذا الاهتمام، اشير فقط الى ان الصين كالهند تعرضت لكل الحيل الاستعمارية، التي اتقنها الاوروبيون، وعلى رأسهم انجلترا وفرنسا، منذ منتصف القرن الثامن عشر. فقد حمل اليها الجزويت رسالة الرجل الابيض التبشيرية، كغطاء لأطماع مستترة. ولم تفلح الحيلة ربما لأن الفلسفة الكونفيوشية كانت للصينيين دينا ودنيا. فجربوا حيلة التبادل التجاري وفشلوا، ربما لأن الصين كانت مكتفية ذاتيا في ظل اقتصاد ناجح وبعيد عن اقتصاد اوروبا الربوي، وربما لأن ولاة الامر هناك شهدوا ما حدث في الهند التي فتحت الابواب بدعوى التبادل التجاري، وانتهى الامر باستعمار استمر اكثر من 400 عام ولم ينته الا بعد الحرب العالمية الثانية ودخول الاسد البريطاني مرحلة الشيخوخة الحتمية. واستمر التحايل والالتفاف على الصين الى ان اندلعت حرب الافيون وانهار البنيان الاقتصادي والمعنوي. ولكن الحضارات القديمة لها قدرات متفاوتة على تجديد نفسها. وها هي الصين تعود لتشغل بال القوى العظمى، كاقتصاد يعتد به ونفوذ يخشى منه ومشروع عدو ينبغي الاستعداد له بكل الوسائل المشروعة وغيرها.

الحقيقة هي ان الاهتمام بالصين انسحب علي ايجابا، لأنه شجعني علي القراءة. وبعيدا عن منعطفات السياسة وألاعيب الاستعمار اكتشفت جوانب انسانية من حضارة الصين القديمة في العادات والتقاليد، تتقاطع مع بعض العادات المتوارثة في الشرق، خاصة في تقاليد الزواج. اكتشفت مثلا ان الخاطبة تقليد صيني يعود الى اكثر من 400 عام قبل الميلاد.

أوجه الشبه كثيرة، ومنها ان الوالدين في الصين القديمة، كانا هما المكلفين بالبحث عن عروس مناسبة للابن، فاذا وقع الاختيار على فتاة بعينها، سعى الابوان الى الخاطبة لتبدأ عملها. فهي لم تكن مكلفة باختيار العروس وانما بالوساطة بين الاسرتين لتذليل العقبات وتسهيل التفاصيل المحرجة التي تسبق الاتفاق.

في المرتبة الثانية، ان تمت الموافقة المبدئية يطلب من اهل العروس تاريخ ميلادها، لكي تحسب الحسابات الفلكية، التي تثبت او تنفي انها العروس المناسبة لذلك العريس وان الانسجام بينهما مضمون.

واذا فعل علم الفلك فعله وبشر بالانسجام، ترسل اسرة العريس الخاطبة بهدية قيمة للعروس، مرفقة برسالة من والدي العريس لطلب يدها رسميا.

فان تمت الموافقة ارسلت الهدايا من اسرة العريس الي اسرة العروس، وهي هدايا تختلف من منطقة الي اخرى وترتفع او تنخفض قيمتها حسب ثروة العائلة، وعادة ما تشمل المأكولات والحلوى الخاصة، ثم يتم الاتفاق على يوم العرس وفقا للتقويم الصيني لاختيار يوم يظنونه مبروكا.

اما الاحتفال بالعرس فكانت له فصول متعددة، تبدأ بموكب العروس، التي تخرج من بيتها محمولة علي محفة ومعها الهدايا والشبكة، التي ارسلها العريس، والى جانب محفة العروس تسير صديقاتها وقريباتها محملات بالورود. وحين يصل الموكب الى بيت العريس يتوقف لكي تبدأ مراسم الترحيب بالعروس وهي طقوس تختلف من منطقة الي اخرى.

اما عقد الزواج ذاته فكان يبدأ بصلاة شكر يقدمها العروسان للإله وللارض، ثم يشكر كل منهما والديه ثم يشكر والدي الاخر.

بعد عقد الزواج تبدأ مأدبة العرس وكانت من اهم طقوس الاعراس، وفيها تقدم العروس النبيذ او الشاي الي والدي عريسها، ثم تقدمه لعريسها ثم تبدأ في تقديمه للضيوف.

والجدير بالذكر ان البحث عن عروس للابن كانت له اسس، اولها الامانة والشرف والقدرة على الانجاب.

ان صدق ظني فان تلك الطقوس ما زالت تمارس بنجاح في مناطق كثيرة، رغم ازدراء شباب هذه الايام لما يسمى بزواج الصالونات.