... ذات محطة خالدة

TT

حزب البعث سيذكره التاريخ كيف أنه باحتلاله للدول العربية المجاورة، واغتياله لبعض الزعامات والشخصيات المسؤولة، كان يساهم وبشدة في «تكوين» أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة. وتم تكريس فكرة التخوين لمن يخالف مبادئ الحزب، وإطلاق عبارات العمالة والانتماء «للامبريالية» والمخططات الدولية التي تعبث بمصالح الأمة. جمل مطاطة مبهمة كانت ولا تزال بمثابة التخدير الكلي لمستقبل الشعوب.

وعلى النقيض الآخر كانت هناك حركة الإخوان المسلمين التي أعادت إحياء فكر التكفير وتسييس الدين، والعمل على قلب أنظمة الحكومات «الكافرة» وهداية الشعوب «الجاهلة»، وتم الافتاء بأن الاغتيال حلال وأن كل شيء جائز في سبيل الهدف الأسمى.

وقد أحدثت هاتان الفكرتان، البعث والإخوان، ما أحدثت في المنطقة وكرست الفرقة والتشتت، وتحقق لها من عشر سنوات غاية ما كان في الحسبان، وهي محطة فضائية، تقدم الخلطة الشيطانية التي تكرس الأفكار في عقول الأبرياء من العامة المتعطشة، وكثير ما كان يعد في «مطبخ» الاخبار والبرامج في هذه المحطة كان يغذى بمبادئ «البعوان» خليط البعث والإخوان العجيب، أقصى الفكر العربي السياسي العلماني مع التطرف السياسي الاسلامي. وقد كان لافتا تناقل الاخبار في شتى وسائل الاعلام العربية خبرين في وقت واحد، يظهران نتائج جهود «البعوانية» في هذه المحطة الفضائية، دعوة شخصية لوزيرة الخارجية الاسرائيلية لتزور دولة قطر (الدولة المقر للمحطة الفضائية المعنية) وقيام تونس بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر بسبب هجوم نفس المحطة على السياسات التونسية! إسرائيل تحضر وتونس ترحل، هذا هو الحال الحقيقي والنتاج الملموس للسياسة البعوانية الفضائية. اختيار المحطة الانتقائي لبعض القضايا دون غيرها و«حساب» خاطر للتحالفات القطرية حتى لو كانت ضد مصلحة الحقيقة والحق، لا بد أن يثير الدهشة وحتى الاشمئزاز. لماذا يحق للعراقيين أن يقاموا الاحتلال الامريكي، ولا يروج لفكرة المقاومة ضد الاحتلال الايراني للجزر الاماراتية؟ الأسرى الموجودون في سجون العراق وغوانتانامو الكئيبة لماذا لا يذكر معهم أسرى لبنان في سجون سوريا؟ حتى تتحول الديمقراطية المنتخبة محليا في فلسطين الى أداة مزايدة بين سوريا وإيران تدريجيا الى ديكتاتورية تعصف بحياة ومستقبل الأبرياء.

محاولة الترويج المستمر لفكرة أن هناك مصدرا واحدا يقدم الحقيقة المطلقة للمصلحة العربية، وللحق الاسلامي هي هراء حزين وحصاد ذلك هو تطرف مقيت متزايد ومشاعر شعبية محبطة تتأجج، انقسام عربي لا يتوقف. الشيء المثير للسخرية كان هو التعليق الرسمي الصادر من قطر على تبرير تونس الموضح سبب سحب سفيرها من الدوحة، وتعليق العلاقات الدبلوماسية، كان ان دولة قطر لا سلطة لها على المحطة الفضائية المعنية، وهي نفسها المحطة التي تتلقى كل دعمها من الحكومة والتصريح باستمرارها. باتت هذه النوعية من التصريحات أشبه بالنكتة القديمة التي يسمعها الناس فيعلقون بكلمة «سخيفة».

[email protected]