هذه الحياة تساوي أو لا تساوي؟!

TT

في لحظات قليلة جدا من الحياة يسأل الإنسان نفسه: صحيح.. ما معنى هذه الحياة.. ما معنى ما حدث لنا.. أن نولد ونتعذب ونموت.. لم نفهم شيئا.. لا عرفنا لماذا جئنا ولا عرفنا لماذا ذهبنا.. ولن نعرف ذلك. إذن ما معنى أن نحشر أنفسنا في قطار ليست له محطات.

ولذلك يقفز من القطار ومن الطائرة ومن البرج أناس يتعجلون المحطة أو يقيمون لأنفسهم محطات في خيالهم أو في شعورهم، ثم ينزلون عندنا ويموتون.. والموت بهذه الصورة انتحار.. والانتحار معناه عند مثل هؤلاء: انه إذا كانت هذه هي الحياة.. وهذا هو معناها فإني لا أريدها.. فأنا أرفض أن أذهب لمشاهدة فيلم وتمضي ساعة دون أن أفهم شيئا.. فالخروج من السينما هو الشيء المعقول الوحيد!

والمنتحرون يعتقدون أنهم أشجع من غيرهم، وليس صحيحا أنهم هاربون، لأن الذي لم يهرب ماذا عرف؟ والشجعان الى أي شيء وصلوا.. النتيجة واحدة: لا معنى لشيء.. ولا حكمة لشيء.. وإنما هذه هي حياة وأنت حر في أن تعيش أو لا تعيش.

والحياة ليس لها معنى، وانما نحن الذين نختار لها المعنى الذي يريحنا.. والحكمة التي تقنعنا.. ولا بد انه الأمل الذي يخدرنا ويجعلنا نتصور أن الأحسن سيجيء بعد قليل.. وقد يكون هذا القليل هو العمر كله.. ولا يجيء الأحسن.. وأكثر الناس ينسون أنهم سيموتون.. ويريدون أن ينسوا.. فإذا تذكرنا الموت في كل لحظة فسدت حياتنا..

ولم ينقذنا التفكير في الموت من الموت نفسه.. بل ان التفكير في الموت أقسى من الموت نفسه..لأن التفكير فيه شعور به.. في حين أن الموت هو فقدان التفكير والشعور.. ويبدو اننا لا نعرف معنى الحياة.

فمثلا إذا جاء طفل صغير في السابعة من عمره وقال: ما معنى هذه الحياة.. ما معنى حياتي أنا.. وما شكلها وما هدفها.. ولم يهتد الطفل الى معنى وقرر أن ينتحر.. فإننا نقول عنه إنه صغير جاهل.. إنه لا يعرف انه سيكون شابا.. ثم يكون رجلا وشيخا. وبعد ذلك يموت.. إنه استعجل النهاية؟!

ولكن لو سألنا نحن الكبار: وما معنى حياتنا نحن.. وحياة البشرية كلها من أولها لآخرها.. لكان الجواب: إننا مثل هذا الطفل أيضا.. فنحن ما نزال في طفولة البشرية. فمن يدري كيف يكون شباب البشرية وكيف تكون رجولتها.. ثم كيف تكون نهايتها.. إننا لا نعرف.

في لحظات قليلة يحس الإنسان بعمق وهدوء.. أن هذه الحياة أصبحت لا تساوي.. أو هي بالفعل لا تساوي.. ولكننا ننسى أنها سوف تساوي شيئا لا نعرفه الآن!