طريق الآلام العراقي يودي بالجمهوريين

TT

في موسم الانتخابات، ينتفي الوضوح، ويدفع بالناخبين إلى التخلي عن أحكامهم الخاصة. وهذا ما فعله جورج دبليو بوش في الأيام الأخيرة، حين طلب من الأميركيين «عدم السماح بتحول سخطنا إلى وهم بشأن هدفنا» في العراق.

والحقيقة هي أن الوهم العميق، بدأ يساور الناس، وخصوصاً أولئك الذين دعموا «هدفنا» في تغيير النظام في العراق. إدارة الحرب بأيدي بوش هي التي نشرت، على وجه التحديد، الوهم الذي سيكلف بالتأكيد (على ما يبدو) الجمهوريين خسارة في مجلس النواب، يوم السابع من نوفمبر، وربما في مجلس الشيوخ أيضا.

وقد أوقف الاعتراف، بأن هذا هو المنطلق في بحث بوش عن طريقة جديدة لمعالجة الوضع في العراق وطريقة جديدة في التعامل مع الجمهور الأميركي، في إطار مبرر مقبول، أوقف الى حد كبير الثقة به حول العراق.

ويبدو انه ليس هناك تقريبا منحنى يحتذى في تعامل واشنطن مع الانقسامات الاجتماعية والدينية ومع السياسيين القوميين في العراق، الذين أبعدوا جانبا أو جرى تقويضهم، بسبب عدم ثنائهم على بوش، في إطار تحريرهم، وتأكيد أولوياتهم وشرعيتهم السياسية.

وكان وقتا عصيبا قد حل الأسبوع الماضي، عندما رد رئيس الوزراء نوري المالكي بانزعاجة على إعلان السفير زلماي خليلزاد والرئيس بوش، من أن على المالكي أن يحدد جدولا زمنيا للمهمات التي يتعين تنفيذها. ولا يبدو أن أحدا تصور أن المالكي المحاصر يمكن أن يرغب في اعلان برامج حكومته بدلا من ذلك.

وهذه إعادة غير حساسة ثقافيا، للحظات التي سرعان ما أحبطت الفرص الأولية في عام 2003 للسماح للعراقيين بتولي المسؤولية، والتوصل الى توافق مع جيرانهم العرب والإيرانيين الذين ساعدوا بدلا من ذلك على تحقيق عدم الاستقرار في العراق منذئذ.

أولا، رفض الحاكم المدني بول بريمر حكومة مؤقتة تتشكل من ستة أشخاص، كان قد جرى، تهيئتها عبر مفاوضات شاقة استمرت عامين بين الأكراد والشيعة. ثم هدد بريمر بإلغاء الحكومة المؤقتة ما لم تنفذ رغباته.

وهذا ليس تاريخا قديما. وبناء على أوامر من البيت الأبيض في الربيع الماضي، تدخل خليلزاد صراحة بالمفاوضات التي جرت من اجل اختيار رئيس وزراء، لمنع رئيس الوزراء في حينه إبراهيم الجعفري من الترشح وخلق وضعا يكون فيه المالكي، نائب الجعفري، والمستند الى المتطرفين الشيعة للحصول على الأصوات، المرشح الممكن الوحيد لإدارة العراق.

ويمكن القول إن مطالبة المالكي بالشرعية، قد تم تدميرها من خلال الإدارة المصغرة التي يقوم بها الأميركيون. فحملة السفير الأميركي خليلزاد من أجل «بناء حكومة وحدة وطنية» ـ والتي هي على صعيد الواقع عبارة عن مجموعة من الوجوه الطائفية الفاسدة ـ آلت إلى شل فعاليته.

كتبت قليلا حول طريق الآلام، الذي سار العراق عليه منذ تلك اللحظة. وتمنيت لو يثبت لي المالكي خطأ تصوراتي، لكن ما حدث، وما يحدث، يجعل الأمور شديدة الوضوح، وتبعث على الشعور باليأس.

لكن هذه الانتخابات النصفية، هي لحظة محاسبة، مع اعتراف بوش في مؤتمر صحافي أنه يسعى إلى منع تسرب الشعور بالفشل. إنه الوقت المناسب الذي يستطيع الناخبون والمواطنون من تفحص الأخطاء والهفوات الأخيرة للسياسة الأميركية في العراق، وعلى ضوئه يقومون بالتصويت.

وقال هالبرستام عبر محطة «راديو الجمهور القومي»: «أنا لا أعلم ما يقوله أي من الطرفين. الرئيس ضعيف بشكل استثنائي حول تاريخ حرب فيتنام. كانت حملة تيت العسكرية التي شنها الفيتكونغ انتصارا عسكريا لأميركا لكنها هزيمة سياسية، ولذلك هل بإمكاننا أن نقول إن الحرب تسير بشكل أفضل مما تعكسه المعلومات؟».

هالبرستام صوت يستحق الاستماع له حينما يجري المقارنة بين الحربين. فتقاريره من فيتنام كانت تحاجج في البداية بأنه من الممكن الانتصار في النزاع، إذا جرى تغيير للاستراتيجية والتكتيكات، لكنه توصل لاحقا إلى أن الأداء الحربي للأميركيين جعلها غير قابلة للفوز.

ليس فهم بوش لحرب فيتنام هو الذي يتسم بالفقر، بل فهمه لحرب العراق هو الذي يتطلب معالجة سريعة. فبعد 7 نوفمبر على الرئيس أن يكف عن الادعاء بأنه يدير سياسة حول العراق، وعليه أن يعطي لمسؤول رفيع وحكيم من الجمهوريين كل الصلاحيات كي يتخذ منحى جديدا، ودليله هو توصيات لجنة بيكر ـ هاملتون وغيرها.

يعتبر جورج شولتز، وزير الخارجية خلال حكم رونالد ريغان (وكان في المارينز مثل جيمس بيكر) مرشحا ممتازا كي يقوم بإنقاذ المهمة في العراق. هو لن يريد أن يصبح مسؤولا عن العراق ولكن إذا حدث ذلك فإنني أقدم له تهانيّ مع اعتذاراتي.

*خدمة «مجموعة كتاب واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»