كان غديّاً

TT

العام 1953 اسس جان جاك سرفان شرايبر اول مجلة اسبوعية حديثة في فرنسا: «الاكسبريس»، ومعه سيدة سوف تصبح اشهر صحافية في البلاد، فرانسواز جيرو. هو، بروسي الاصل، وحفيد رجل كان السكرتير الشخصي لبسمارك، موحد المانيا. هي، ابنة مهاجر من العراق، اتخذت لنفسها اسماً فرنسياً. طوال ثلاثة عقود، على الاقل، سيطر جان جاك سرفان شرايبر على تطور الصحافة الاسبوعية في فرنسا. والى حد ما سيطر على بعض اوجه العمل السياسي فيها. كان ديغول لا يحبه وكان يبادله الشعور. وكان الاشتراكيون يعجبون به. والمستقلون يتبعونه. وبدا ذات مرحلة انه قد يصبح رئيس فرنسا، كما كانت تصر عليه امه، التي خيرته بين امرين: اما رئاسة فرنسا او رئاسة اوروبا اذا توحدت.

لكن عندما تمت الوحدة الاوروبية كان شرايبر قد اصبح في التقاعد. في العام 1917 سافر والده الى اميركا وعاد ليضع كتاباً عن تفوقها العلمي على القارة القديمة. وفي العام 1967 سافر هو اليها ووضع كتاباً بالغ الشهرة عنوانه «التحدي الاميركي». وفيه يتكهن بأن العصر المقبل سيكون عصر الكومبيوتر والمعلوماتية، ويقول انه لم يعد معنى للماضي والحاضر لأن الغد سوف يكون عالماً مختلفاً تماماً. جاء الى الصحافة من بيت صحافي. فقد انشأ والده صحيفة «ليزيكو» (الاصداء) التي لا تزال من ابرز الصحف الاقتصادية. وانشأ شقيقه مجلة «اكسبونسيون» المالية ايضاً. وساعدته وسامته وشخصيته في توسيع دائرة نجاحه وجاذبيته. وعندما جاء جون كيندي الى الرئاسة تأثر به وبطموحاته وبأسلوبه. وقالت له امه، «اهم شخصية في حياته»، تطلع جيداً الى هذا الرجل، يجب ان تصبح كيندي فرنسا. لكن طيار الحرب العالمية الثانية لم يصبح اكثر من صحافي كبير يرفع في مجلته شعاراً واحداً: «اكتبوا. لكن يجب ان تكتبوا جيداً». وفي مقاله الافتتاحي الاول خاطب قراءه بالقول: «سوف نحاول ان نفهم لأننا نريد ان نشرح. وسوف نقول الحقيقة كما نراها ولن نحاول ان نرى شيئاً غير الحقيقة». في شبابهما كنا نميل في لبنان الى مقارنة غسان تويني بشرايبر: الطموح اللامتناهي، النزوع الجامح نحو الحداثة والتطور والشغف بالعمل السياسي الى جانب العمل الصحافي ومن خلاله ايضاً. لكن السياسة (والسياسيين) عاملت شرايبر كما عاملت تويني. وخافت منه وحذرته وخشي العاديون من ألق المتفوقين.

ارتبط اسم شرايبر وفرانسواز جيرو كثنائي، بل ربما كأول ثنائي في الصحافة الفرنسية. وقد روت في مذكراتها انها حاولت الانتحار من اجله. وقد افترقا في العمل منذ الستينات. العام الماضي توفيت جيرو وهي لا تزال تعمل، وهذا الاسبوع صدرت «الاكسبريس» وغلافها يحمل صورة شرايبر وشارة الحزن.