مشروع الشراكة الأورومتوسطية

TT

أصبح في السنوات الأخيرة مشروع الشراكة الأورومتوسطية مقترنا بشكل آلي، بالحديث عن الخيبة والصعوبات التي تواجه هذه الشراكة ومظاهر تعمق الفجوة بين دول شمال وجنوب المتوسط. بل أن البعض بلغ به الإحباط حد وصف المشروع برمته بأنه حبر على ورق، وأنه يفتقد منذ ولادته أسباب التحقق الفعلي والديمومة وتراكم الانجازات والمكاسب. وفي هذا الإطار الذي يطرح مشروع الشراكة الأورومتوسطية على محك الشك والمساءلة، نظم مكتب جامعة الدول العربية ندوة حول آفاق هذه الشراكة، خصوصا بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان.

ومن المهم التذكير بأن مشروع الشراكة الأورومتوسطية، يبلغ عمره اليوم أكثر من عشر سنوات وتشارك فيه قرابة 27 دولة، منها 15 دولة من الاتحاد الأوروبي و12 دولة من حوض البحر الأبيض المتوسط. ولقد تم وصف مشروع الشراكة الأورومتوسطية إبان إعلانه بأنه أهم حدث يتوج به القرن الماضي، خصوصا أنها بدت في إحدى زواياها، كنتاج لإبرام اتفاقيات أوسلو عام 1993. وأكبر مشكل يحاصر المشروع اليوم، هو أنه لم يعد يفصله عن موعد ميلاد منطقة التجارة الحرة بين الدول الأعضاء في الشراكة، سوى ثلاث سنوات. والحال أن أغلب المؤشرات والقراءات السياسية والاقتصادية، تشير إلى أن عملية تطبيق بنود الشراكة بطيئة ويعتريها الكثير من التردد والتناقض. وكي نفهم قليلا طبيعة المشاكل والصعوبات المنتجة لخيبة الآمال المعلقة على الشراكة الأورومتوسطية، فإنه من المهم الإشارة إلى أن الدول الأعضاء في الشراكة، إضافة إلى تلك الدول التابعة إلى الاتحاد الأوروبي هي المغرب وتونس والجزائر ومصر والأردن وسوريا ولبنان والمناطق الفلسطينية وإسرائيل وقبرص ومالطة. والمتأمل في قائمة هذه الدول يدرك حجم النزاعات القائمة بين أغلبيتها، وآخر هذه النزاعات حرب تموز الأخيرة على لبنان. وبالنظر إلى خصائص سياسية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي فإننا نلحظ مجموعة من النقاط المفصلية من أهمها:

* أسلوب الشد والجذب سياسيا مع الدول العربية الأعضاء في الشراكة وهو ما يعكس غياب رؤية حاسمة في مسألة العلاقة الترابطية والعضوية بين الأبعاد الثلاثة للشراكة والتي نقصد بها، شق الشراكة السياسية والأمنية والثاني الشراكة الاقتصادية والمالية، والأخير شق الشراكة في المجالات الثقافية والاجتماعية والبشرية. فهي مرة تفصل بين هذه الأبعاد ومرة تجعل من الشراكة السياسية، شرطا في مسألة المساعدات. ويمكن القول إنه على اثر أحداث 11 سبتمبر 2001، أصبحت الشراكة السياسية والأمنية، شرطا لا مجال للتفريط فيه بعد أن أحست الدول الأوروبية أيضا بتهديد أمنها. وفي هذه النقطة بالذات فرض المجال الأمني شروطه على المجال السياسي، بمعنى أن الشراكة الأمنية كثيرا ما قبلت بالتضحية باستحقاقات الشراكة السياسية المتمثلة في التحديث السياسي وتفعيل المجتمع المدني وتعزيز واقع حقوق الإنسان والمعارضة والحريات في الدول العربية. وقد أفقدت أولوية الملف الأمني واضطرار دول الاتحاد الأوروبي الأعضاء في الشراكة الأورومتوسطية إلى تعميق تعاونها مع الأنظمة العربية الأعضاء مقابل تنازلات في الإصلاح السياسي، كل هذا أفقدها مصداقية أمام أحزاب المعارضة العربية للدول الأعضاء: فهي مرة تندد ومرة تغض الطرف، أي أنها مارست سياسة الكيل بمكيالين.

* الخاصية الثانية لسياسة دول الاتحاد الأوروبي في الشراكة الأورومتوسطية، تتمثل في الحذر المالي والتقطير في مجال المساعدات المتعلقة بالصناعة والبحث العلمي. لذلك فإن الدول العربية رغم أن جميعها وباستثناء سوريا قد أبرمت اتفاقية شراكة ثنائية مع دول الاتحاد الأوروبي، فإنها تشعر أنها لم تتلق ما يغريها بقطع أشواط أكبر في مجال هيكلة اقتصادياتها، لتكون جاهزة قبل ميلاد منطقة التجارة الحرة عام 2010 والتي تقضي بإلغاء التعرفة الجمركية والتحرير الكامل للسوق.

وهنا يبدو أن الرابح الوحيد من مشروع منطقة التجارة الحرة هي دول الاتحاد الأوروبي، بما يعنيه ذلك من فتح أسواق عدة دول عربية، في حين أن الاقتصاديات العربية ستكون خاسرة بامتياز، لأنها لم تصل إلى درجة الجودة القادرة على المنافسة والصمود.

ـ كذلك تم اعتماد سياسات ضد مشروع الشراكة نفسه مثل سياسة التباعد التي يكشفها التعصب في ملف الهجرة والإغلاق المتزايد للحدود واعتناق بعض الدول الأوروبية، على رأسها خطة الهجرة المنتقاة التي تشمل المثقفين والمبدعين واللاجئين السياسيين دون غيرهم.

ـ لا ننسى أيضا ضعف الضغط الأوروبي على إسرائيل وسلبيته في ملفات مثل حماس والحرب على لبنان، وهو ما يعني أن قضية الصراع العربي الفلسطيني تمثل الشوكة الأساسية في حلق الشراكة. والسبب الأول لمعظم النزاعات الناشئة بين الدول العربية الأعضاء في الشراكة.

أما نصيب الدول العربية في جعل آفاق الشراكة الأورومتوسطية ضبابية وباهتة، فإنه لا يقل أهمية عن الدول الأوروبية من أعضاء الاتحاد الأوروبي، بل أن الذكاء كان يقتضي من الدول العربية التمسك بإنجاح هذه الشراكة وكسب الطرف الأوروبي كحليف استراتيجي إلى جانبها بعد أن أصبح في متناول اليد الأمريكية، وبحاجة أكثر من ذي قبل إلى حليف يراهن عليه وعلى الثقافة المتوسطية المشتركة والعوامل التاريخية والجغرافية الجامعة بينهما.

ظلت الدول العربية طيلة سنوات الشراكة الأورومتوسطية، تتعنت في مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان، مصممة على التعاطي الاحادي والجزئي مع مشروع الشراكة والاقتصار على النسق المالي والاقتصادي وإدارة ظهرها للشق السياسي. طبعا هناك من يرشح بقوة فرضية دخول الولايات المتحدة الأمريكية على الخط المغاربي تحديدا وتنافسها الصامت على الفضاء المتوسطي، خصوصا أن دولا كثيرة تنتمي إلى جغرافية الشرق الأوسط الكبير التي تعتبر المجال الحيوي الأمريكي. ولكن، رغم هذه الفرضية، فإن علو شأنها هو نتاج تقصير في وفاء الطرفين لبنود الشراكة ولاستحقاقاتها الجادة.

[email protected]