هروب الفتيات!

TT

850 حالة، نصفهن دون الرابعة عشرة. اختفاء الفتيات هروب أم اختطاف؟.. كان هذا نص العنوان الذي طالعتنا به إحدى الصحف السعودية يوم الجمعة الماضي، واستطلعت حوله مجموعة من الآراء، التي اتجه بعض أصحابها إلى تحميل الفتيات مسؤولية الهروب، وبالتالي حاولوا سكب الكثير من المواعظ والنصائح التقليدية على مسامعهن..

وفي تقديري ليس كل حالات الهروب ينبغي أن تعالج فيها الفتاة، فثمة حالات تتحمل مسؤوليتها الأسر الحاضنة لأولئك الفتيات، فنسبة من الأسر تفشل في خلق مناخ إنساني يمكن العيش في ظلاله، كأن يكون الأب شخصاً جائراً يحيل حياة أسرته إلى عذابات لا تطاق، ومثل هذا الأب له وجوده في الواقع، ويمكن أن تلعب هذا الدور أم متسلطة أيضاً.

أنا لا أريد أن أبرر أو أبرئ سلوك الفتيات من الخطأ، لكن أردت أن أشير إلى ضرورة النظر في المسبّب الآخر للمشكلة المتمثل في الأسرة، فثمة تعاملات جائرة قاسية ونظرات دونية مهينة تلاحق الفتيات داخل بعض الأسر، وللأسف اننا لا نمنح قضية التثقيف الأسري الكثير من اهتمامنا حتى اللحظة، فإن كان ثمة حالات وفاة مثبتة ومعروفة لأطفال اعتدي عليهم من قبل بعض الآباء أو زوجات الآباء، فإننا يمكن أن نتخيل أوضاع بعض المراهقات في بيئات مماثلة، فقد يكون الهرب لبعضهن بديلا للموت، وبالتالي من المفترض أن تكون لدينا دور حماية معلنة ومعروفة تلوذ بها الفتيات في حالات تعرضهن للعنف الأسري بدلا من الهروب إلى المجهول.

للأسف إن الكثير من مؤسساتنا الثقافية تغرق في قضايا نخبوية «تنظيرية» لا تلامس قضايانا الجوهرية، فالثقافة الأسرية غائبة تماماً عن مؤسساتنا التربوية والإعلامية والثقافية.. إننا ندفن رؤوسنا في الرمل ونحن نسطح الأمور أحياناً بتكرار التأكيد، بأن مثل هذه المشكلات لم تتحول إلى ظاهرة، وكأن علينا أن نبقى على مقاعد المتفرجين حيالها حتى تتحول إلى ظاهرة.

حقاً لقد أفزعني الرقم الذي أوردته صحيفة «عكاظ» في عنوانها عن الفتيات المختفيات «850 حالة نصفهن دون الرابعة عشرة»، وأنا على ثقة بأن نسبة كبيرة من هذا العدد تكمن وراء هروبها أخطاء أسرية ينبغي أن يتزامن علاجها مع عمليات البحث عن الهاربات، فاستعادة الفتيات الهاربات لن يكفل عدم هروبهن من جديد إن لم نعالج أسباب الهرب.

ولكل الأسر التي أجدبت في صحارى قلوبها رحمة الأبوة وعطف الأمومة نقول: أطلقوا العنان للحب كي تشرق في حجرات بيوتكم شمس الطمأنينة.

[email protected]