نقلة مهمة في حوار وفد حماس بالقاهرة

TT

الحوار المصري الفلسطيني الذي شهدته القاهرة هذا الاسبوع حقق درجة عالية من التفاهم والتوافق، تفتح الباب واسعا لحل اشكالات تشكيل الحكومة الفلسطينية ورفع الحصار المضروب على الفلسطينيين، وهو ما يسوغ لنا ان نقول إن إطلاق عملية التشكيل مقترنة باجراءات رفع الحصار اصبحت معلقة على نجاح الوساطة المصرية في اقناع الاسرائيليين بالمواقف والصياغات التي تم الاتفاق عليها، في اجتماع استمر اكثر من ثلاث ساعات بين رئيس المخابرات المصرية عمر سليمان ووفد حركة حماس الذي رأسه خالد مشعل، رئيس مكتبها السياسي. وعند الحد الادنى فان الفجوات بين الموقفين المصري والفلسطيني تم سدها والتعامل معها بايجابية شديدة في ذلك الاجتماع والاتصالات التي سبقته، بما يعني ان الاتفاق بين الطرفين تم فيما يخص القضايا الرئيسية المعلقة، ويفترض ان تنقل الخلاصة التي تم التوافق عليها الى الطرفين الاسرائيلي والامريكي.

وقبل الدخول في التفاصيل التي يمكن التطرق اليها في هذه المرحلة. لا يفوتنا ان نلاحظ ان التوافق الذي تم لم يكن راجعا فقط الى اجواء التفهم والمرونة التي سادت، وانما ساعدت عليه ظروف اقليمية ودولية مواتية بصورة نسبية.

من هذه الظروف مثلا:

ازمة الادارة الامريكية التي استحكمت ورطتها في العراق ولاحقها الفشل حينما ذهبت، كما هزت سياستها في الداخل، كما بينت نتائج الانتخابات الاخيرة، وهو ما دعا رئيس تحرير مجلة «العلاقات الخارجية» ريتشارد هاس الى الاعلان في العدد الاخير من المجلة ـ التي هي الاكثر احتراما في الولايات المتحدة ـ عن ان الحقبة الامريكية انتهت في الشرق الاوسط، وان حقبة جديدة بدأت فعلا في تاريخ المنطقة.

ازمة الحكومة والطبقة السياسية الاسرائيلية، التي فجرتها هزيمة الجيش الاسرائيلي وفشله الذريع في عدوانه على لبنان، الامر الذي أنهى اسطورة الجيش الذي لا يقهر وأفقد قوة الردع الاسرائيلية مضمونها، ومن ثم اختزل القدرة الاسرائيلية في حدود ما تمارسه من قمع وبطش في الاراضي الفلسطينية. وهو ما وصم السلوك الإسرائيلي امام الرأي العام بالسقوط الاخلاقي الى جانب الفشل العسكري.

التململ الاوروبي من السياسة الامريكية والاسرائيلية في المنطقة. وقد تجلى ذلك التململ في المبادرة الاوروبية التي دعت اليها ثلاث من اهم دول اوروبا هي فرنسا وايطاليا واسبانيا، ودعت فيها الى مؤتمر دولي لبحث قضية الصراع العربي الإسرائيلي.

انتباه الدوائر الغربية الى حقيقة ان حركة حماس ابدت مرونة في امور كثيرة وقدمت خيارات يمكن التعاطي معها، وانه من المهم انتهاز فرصة هذه المرونة للتفاهم حول مختلف القضايا المعلقة. واذا لم يحدث ذلك فقد يسفر الموقف عن اوخم العواقب. عبر عن ذلك احد الدبلوماسيين الغربيين الذين لقيتهم في القاهرة مؤخرا، حين قال انه طالما اتسم سلوك حماس بالمرونة والاستعداد للتفاهم، فليس في المصلحة الضغط عليها ووضعها في قالب «فتح». واذا استسلمت حماس بدورها فان الناس سوف يتحولون بدورهم عنها الى غيرها. وفي هذه الحالة فان اكثر ما يخيف الغربيين الآن ان يصبح تنظيم «القاعدة» هو البديل، لان معلومات اجهزة المخابرات الغربية متواترة في ان القاعدة تحاول الدخول الى الساحة الفلسطينية، بعدما اثبت تنظيمها وجود نشطاء له في العراق. اهم من ذلك ان تلك التقارير تحدثت عن ان وجود حماس وجماهيريتها في الشارع الفلسطيني هو الذي أغلق الباب في وجه القاعدة حتى الآن. لذلك فانه من المهم للغاية التوصل الى تفاهم مع حماس. قبل ان يخرج الموقف عن السيطرة، وتصبح «القاعدة» هي القوة الفاعلة في الساحة الفلسطينية.

هذه الخلفية استدعت في مشاورات القاهرة سؤالا مهما هو: اليس هذا هو الوقت المناسب، فلسطينيا وعربيا، لبلورة موقف يدفع القضية الى الامام. ويحاول فرضه على الآخرين، بدلا من الاكتفاء باستقبال مبادرات الآخرين ومحاولة التكيف معها والاستجابة لها؟ ـ شجع على طرح السؤال ان ثمة اتصالات اوروبية اخيرة، تمت مع قيادات حركة حماس، ابدت استعدادا لتفهم وجهة نظرها، الى الحد الذي دعا تلك الأطراف الى صرف النظر عن مطالب الحركة بالاعتراف بإسرائيل، ومعروف ان ذلك المطلب كان احد الشروط التي وضعتها الرباعية الدولية، وسوقتها وأصرت عليها الولايات المتحدة واسرائيل. ولكن الاوروبيين تنازلوا عن الشرط امام تمسك حكومة وحركة حماس برفضه. كما تشير المعلومات المتوافرة إلى أن إسرائيل ذاتها لم تعد مهتمة بذلك الشرط، الذي لن يغير من الواقع شيئا، ومن ثم فان التركيز الآن اصبح منصبا على الشرطين الآخرين المتمثلين في مطلبي «نبذ العنف» والاعتراف بالاتفاقات السابقة التي وقعتها السلطة.

وجهة النظر التي عبر عنها في هذا الصدد السيد خالد مشعل ارتكزت على امور ثلاثة، اولها انه من المهم في الظروف الراهنة ان ينتقل الطرف الفلسطيني من مجرد الدفاع الى الهجوم السياسي والدبلوماسي، وثانيها ان التوافق السياسي العربي سوف يشكل اكبر دعم لمسعى استخلاص الحق الفلسطيني، الامر الذي يستدعى احياء محور مصر والسعودية وسوريا، بإعتباره يمثل أهم سند عربي مطلوب الآن. الامر الثالث ان حكومة حماس ليست في عجلة من امرها، وان الشعب الفلسطيني الذي لم تتوقف معاناته طوال النصف قرن الاخير على الاقل، مستعد لأن يصبر اكثر من ذلك، رغم ان لصبره حدودا بطبيعة الحال، وفي رأيه ان الاخطاء الجسيمة التي وقعت فيها القيادة في السابق يرجع اغلبها انها كانت متعجلة في تحصيل النتائج، وهذه العجلة جعلتها عرضة دائما للابتزاز من جانب الاسرائيليين.

في حدود معلوماتي فانه لا يوجد لدى الفلسطينيين ولا المصريين أي ضمانة لفك الحصار في حالة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، حتى رغم تنازل حركة حماس عن حقها في رئاستها، باعتبارها اكبر الكتل البرلمانية، وموافقتها على خروج قياداتها البارزة منها، والرسالة التي تلقاها الفلسطينيون والمصريون في هذا الصدد تشير الى ان واشنطن واسرائيل من ورائها بطبيعة الحال، في انتظار برنامج الحكومة وموقفها في مسألة نبذ العنف والاتفاقات السابقة.

وحسبما علمت فانه تم التوصل الى صياغة فضفاضة تعلن الحكومة فيها عن نبذ العنف، وتقرر التعامل بايجابية مع الاتفاقات الموقعة مع اسرائيل.

وهذه الصياغة سوف تعرض على الاسرائيليين والامريكيين خلال ايام معدودة، واذا تم التوافق عليها، فان ذلك سيفتح الباب مباشرة لرفع الحصار، الذي اصبح الشرط الاساسي لاستقالة السيد اسماعيل هنية وتشكيل الحكومة الجديدة. وفيما يخص هذه الاخيرة فان العقبة التي لم تحل في تشكيلها تتمثل في الاتفاق على توزيع الوزارات بين الفصائل، بعد الانتهاء من توزيع حصة كل فصيل، بوجه اخص فان حماس تعتبر ان وزارة الداخلية تمثل خطا احمر تتمسك بعدم تجاوزه، في حين ابدت مرونة فيما يخص وزارتي المالية والداخلية، ويرجح ان يتولى الاولى الدكتور سلام فياض وزير المالية السابق بينما مرشح للثانية (الخارجية) كل من الدكتور مصطفى البرغوثي والدكتور زياد ابو عمرو، واسهم الاول مرتفعة اكثر، وكانت حركة فتح قد طلبت شغل الوزارات الثلاث، وسلام فياض مرشح من قبل السيد محمود عباس (ابومازن).

خارج هذه الدائرة فثمة اتفاق على مسألة الجندي الاسير، الذي رفض اقتراح الاسرائيليين اطلاقه مقابل «وعد» باطلاق الاسرى، وتمسكت حماس باطلاق نصف الاسرى الفلسطينيين بالتزامن مع اطلاق الجندي مع وعد تضمنه مصر باطلاق الباقين خلال مهلة متفق عليها، بحيث لا يبقى احد من النساء والاطفال في الاسر بعد ذلك. وما يجري بحثه الان هو مواصفات واسماء الذين سيتم اطلاقهم من الرجال والشبان، لان اسرائيل اعتادت ان تتلاعب في هذه المسألة.

اما مسألة التهدئة في اطلاق الصواريخ، فقد تم الاتفاق على انها مشروطة بأمرين أولهما أن تكون متبادلة، وثانيهما ان يتوقف الاسرائيليون عن ممارسة اى عدوان ليس في غزة فحسب، ولكن في الضفة الغربية ايضا.

هل لنا ان نتفاءل بالخروج من الازمة بعد ذلك؟ ـ ردي على السؤال ان الحديث عن التفاؤل يعد تسرعا في الحكم، وان الحذر واجب، لأن هناك أبالسة على الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني (للأسف) يتربصون بالاتفاق، ولا يريدون لحكومة الوحدة الوطنية ان تقوم، ومنهم من يصر على اقصاء حماس بالكامل بكل السبل، ومنهم من يسره ان تستمر معاناة الفلسطينيين، لكي يضطروا إلى التسليم في نهاية المطاف، مع ذلك فانه اذا كان هناك محل للتفاؤل فهو ينصب على قدرة الشعب الفلسطيني على الصمود والتحدي، واذا راودك الشك في ذلك فاقرأ خبر السيدة البالغة من العمر 57 عاما، التي فجرت نفسها قبل ايام في ثلة من الجنود الإسرائيليين.