أم المشاكل: جدار الطاقة كمان وكمان !

TT

بلغت مشكلة العراق درجة من السوء تجعل من الصعب معرفة أين نحن الآن ومعها ما هي الخطوة اللاحقة التي يجب اتخاذها، إن نحن قررنا المغادرة. وكلما حاولتُ التفكير بمشكلة كبيرة في الشرق الأوسط كهذه، أعود إلى النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني. فهو يخبرك بأمور كثيرة.

أنا مقتنع بأن النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني هو ناتج للتصادم الكبير بين الحضارات، الذي انطلق الآن بين العالم المسلم والغرب، أشبه بما كانت الحرب الأهلية الاسبانية بالنسبة للحرب العالمية الثانية.

فالحرب الأهلية الاسبانية، التي جرت بين عامي 1936 و1939 كانت المسرح للقوى الأوروبية الكبرى كي تختبر عددا كبيرا من الأسلحة والتكتيكات تم استخدامها لاحقا وبحجم أكبر في الحرب العالمية الثانية. كذلك هو الحال مع النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني فإنه مسرح صغيرة حيث يتم فوقه اختبار الأسلحة والتكتيكات أولا ثم يتم استخدامها على مستوى عالمي. لذلك فإنك إذا درست تطور النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، يمكنك أن تتعلم الكثير عن الكيفية التي تدور فيها الحربان الضخمتان حاليا في أفغانستان والعراق.

على سبيل المثال، كان اختطاف الطائرات مفضلا ضمن سياق النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، وهو سلاح إرهابي استخدم أولا هناك ثم انتقل إلى المستوى العالمي. كذلك هو الحال مع التفجيرات الانتحارية التي تم اتقانها هناك ثم تمت عولمتها. ومثلما هو الحال مع إبرام اتفاق أوسلو لتحقيق السلام فهناك مساع لخلق شركاء عرب وأفغان كي يدفعوا أجندة تحقيق الديمقراطية في العالم المسلم. لكن من المؤسف أن اتفاق أوسلو فشل والآن يبدو أن الفشل موشك أيضا لتجربتي العراق وأفغانستان. إذن ما هي خطوتنا اللاحقة؟ وهنا أيضا ألتفت إلى المسرح الفلسطيني.

فإسرائيل قررت فقط بناء جدار نتيجة للانتفاضة الفلسطينية التي جرت ما بين عامي 2000 و2004 استنتجت إسرائيل أن الشراكة في ذلك الوقت مستحيلة مع الفلسطينيين الذين كان قادتهم في حالة انقسام وعجز شديدين يجعلهم غير قادرين على إيقاف الهجمات الانتحارية. لذلك بنت إسرائيل الجدار. ما هو المكافئ لهذا الإجراء على مستوى النزاع بين الغرب والعالم المسلم؟ بناء جدار أيضا؟ يريد بعض الناس أن يمنعوا دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وهذا سيكون خطأ كبيرا جدا. لكن كيف يمكن تحصين أنفسنا من جنون الشرق الأوسط إذا فشلت تجربتي العراق وأفغانستان بدون التراجع عن تحقيق الإصلاح الذي تحتاجه المنطقة بقوة؟

بناء جدار افتراضي، وإنهاء الإدمان على النفط .

نحن بحاجة إلى إنهاء اعتمادنا على ذلك الجزء من العالم في مجال الطاقة، لأنه موهن لنا ولهم. فإدماننا سيئ جدا لأن المدمنين لا يقولون الحقيقة أبدا حول من يغذي إدمانهم. نحن مدمنون على النفط وهم موفرون له. والطريقة الوحيدة التي تجعلنا أمناء معهم هو إذا اتخذنا إجراءات ضرورية لحفظ البيئة، والاستثمار في مجال الوقود المتجدد ورفع الضرائب على الغازولين كي نصبح في الأخير مستقلين من ناحية الطاقة.

أنا لا أريد لبناتي أن يعشن في عالم يتحدد الفرق فيه بين يوم حسن ويوم بائس حسبما يسمح مقتدى الصدر أو لا يسمح لرئيس الوزراء العراق نوري المالكي أن يجتمع بالرئيس الأميركي أو إذا كانت الأنظمة العربية ستبدل أو لا تبدل نصوص الكتب المدرسية التي تتناول غير المسلمين. أنا أتمنى لهم الخير جميعا، لكنني لا أريد أن يكون لهم تأثير على حياتي، وأنا أيضا لا أريد تعكير حياتهم.

والسبب الوحيد الذي يجعلنا متداخلين اليوم هو النفط . ولن يكون إنهاء إدماننا على النفط حماية لنا مما هو سيئ في العالم المسلم بل هو سيساعد تلك البلدان نحو الأحسن. فهذه الأنظمة لن تجري أي إصلاح طالما أنها تستمتع بأرباح النفط الطائلة، التي تسمح لها بإبقاء أنظمة تعليمية عتيقة مفروضة على مجتمعاتها وتسمح بإبقاء صناعات غير قادرة على المنافسة عالميا. والبحرين هي أول بلد خليجي يجري انتخابات حرة للمرة الثانية وفيه سمح للنساء أن يشاركن في الترشيح والانتخاب. كذلك فإن البحرين هي أول بلد خليجي ينفد النفط عنده. وهذا لم يكن صدفة.

يسأل الجميع ما هي خطتنا البديلة للعراق. والجواب هو الخروج منه في أقرب فرصة ممكنة مع أقل خسائر ممكنة، مثلما خرجت إسرائيل من غزة. وبناء جدار عازل ـ لا ماديا بل جدارا من الطاقة المستقلة التي ستمكننا من الاستمرار في التفاعل بصدق مع أكثر البلدان العربية والمسلمة التقدمية على أساس أجندة الإصلاح، لكن بدون أن نكون رهائن بيد الأشرار هناك.

* خدمة «نيويورك تايمز»