أبواب ضيقة

TT

لا أدري ايهما اوسع او اكثر دقة: معرفتي بالحساب أم معرفتي بالشؤون العسكرية ـ او بالأحرى الحربية ـ غير انني قبيل حرب الكويت قرأت ما يمكن اعتباره اشهر كتاب عن الحرب للألماني كلاوسفشنر، وحفظت منه شيئا واحدا، وهو ان على اي قائد عسكري ان يضع خطة الانسحاب قبل ان يضع خطة الهجوم. وهذا ما وقع فيه صدام حسين عندما دخل الكويت منتصرا وخرج «بأم المعارك».

عندما قرر جورج بوش شن الحرب على العراق اعتقد الجميع انه (مع رامسفيلد) حسب حسابا لكل شيء: اسلحة الدمار الشامل واسلحة الدمار غير الشامل وما بينهما، لكن بوش رفض وهو يعد للحرب نصيحة العسكري الوحيد في ادارته، والرجل الذي أدار الحرب الاولى ضد العراق: كولن باول. وكانت نظرية باول كلاسيكية جدا وبديهية جدا ولا تتعدى ما حفظته عن كلاوسفشنر: اولها تأمين طريق الانسحاب والا فلا تُقدم على مثل هذه الحرب اطلاقا!

لم يضع كولن باول نظريته هذه في كراس سري وزعه على اهل البيت الابيض والبنتاغون، بل نشره في مجلة «فورين افيرز» عام 1994، وهي المجلة التي يصدرها مجلس العلاقات الخارجية الاميركية ويطلع عليها اهل الفكر والقرار على نحو قد يكون إلزاميا في بعض الحالات. لكن باول الذي اراد بوش في البداية جعله نائباً للرئيس من اجل التقرب من الاقليات، خسر المعركة امام «المحافظين الجدد» الذين سوف يخسرون الحرب.

لذلك لا يتوقع ان تشن اميركا حروبا اخرى بعد الذي حدث في العراق وافغانستان، بل قد تعود في المستقبل ـ حيث يكون ذلك ممكنا او متوافرا ـ الى الحرب بالواسطة، التي كان يشجعها هنري كيسنجر، كما حدث في انغولا وافغانستان ولبنان. وكان كيسنجر قد تعلم الدرس في الفيتنام، حيث وقفت الاطراف المعنية (الصين وموسكو) ضد اميركا في حرب باردة لا نهاية لها، عن طريق مساعدة اعدائها المباشرين، اما حيث تورطت اميركا مباشرة فقد كان صعبا عليها الخروج بسلام (كما هو الحال في كوريا حتى الآن)، والاستثناءات ضئيلة وقد تكون مضحكة مثل «انتصار» رونالد ريغان الخاطف في جزيرة غرينادا او «انتصار» بوش الأب في جمهورية باناما، حيث استسلم الجنرال نورييغا بسبب قرع الطبول.

يتوقف الكثير ايضا على مواقف الاطراف المعادية: هل سوف يساعدون اميركا على الخروج من العراق ضمن تسوية سياسية بعيدة المدى، ام انهم سوف يستغلون توسيع المستنقع وتضييق الابواب؟