عندما ضحكنا بقبح

TT

أحد الأصدقاء أصابه ألم في أذنه، وأخذ يعالجه، فذهبت إليه يوماً لزيارته، ورأيته جالساً فناديته وأنا بعيد عنه بما لا يقل عن عشرين متراً، وكان مديراً لي ظهره، فصحت به أريد أن اختبر سمعه: يا فلان، غير أنه لم يجبني ولم يتحرك، فاقتربت منه إلى نصف المسافة وناديت عليه: يا فلان، لكنه لم يجب، فاقتربت أكثر إلى مسافة مترين وناديت عليه وأنا اسأله: والآن هل تسمعني؟!، فالتفت ناحيتي بتعجب قائلا: هل أنت أصنج، ها أنذا أقول لك للمرة الثالثة: نعم.

والواقع أنني ارتعبت، فالشك تسرّب إلى نفسي بأن في سمعي أنا خللا، لكنني تنفست الصعداء عندما طمأنني أنه تعمّد عدم الرد عليّ، وذكّرني بذلك الموقف الذي اتخذته معه هو شخصياً ضد صديق ثالث غائب عنّا، فقلت له: يبدو لي أن الله أراد أن يعاقبني أنا وأنت على فعلتنا تلك، أنت بالألم في أذنك، وأنا (بهزة البدن) التي أحدثتها قبل قليل معي.

ولكي أدخلكم في ذلك الموضوع، فقد حصل قبل عدة أعوام، أن كنا ثلاثة أصدقاء نتسامر، وفجأة انقطع التيار الكهربائي، وساد المكان ظلام دامس، فقال أحدنا: احترقت اللمّبة، وبحكم سرعة بديهتي الخبيثة، رددت عليه: لا أبداً فاللمّبة مضاءة، قلت ذلك ولكزت صديقي الآخر على ركبته، وكان هو أكثر خبثاً منيّ، ففهم الرسالة، وخاطب ذلك الذي قال إن اللمبة احترقت وقال: سلامة نظرك، النور ساطع وكل شيء على ما يرام، فصمت ذلك المستصيب ولم يجبه، فيما لعبنا نحن الاثنين الدور، وزيادة بالحبكة أخذنا نرتشف من كاسات الشاهي الفاضية، وتظاهر أحدنا بقراءة مجلة وهو يخرفش ويقلب صفحاتها، وما هي إلاّ عدّة دقائق وإذا بصديقنا الثالث يقف فزعاً متخبطاً يصطدم بالطاولات ويصيح معتقداً انه أصبح أعمى، والواقع أننا ندمنا، وحاولنا الإمساك به وتهدئته، غير أنني من شدّة الظلام دعست برجلي الحافية على إبريق الشاهي الساخن الذي أندفق عليها وسلخها، كما أن الخبيث الثاني ناله ما ناله من الكدمات، ومن حُسن حظنا أن زوجة صاحب المنزل أخذت تقرع على الباب وفي يدها شمعة، وحالما ذهب زوجها لتناولها منها، وإذا بالتيار الكهربائي يعود مرّة ثانية، وإذا بنا نشاهد مجلسنا محتاسا وكأن معركة شرسة قد حصلت به.

وبدلا من أن تتهلل أسارير صديقنا الذي ضحكنا أو لعبنا عليه، بدلا من أن يحمد ربه على أن ما فعلناه كان مجرد (مزحة)، وأن نظره (6 على 6)، وإذا به يبكي فعلا، فازداد ندمنا أكثر، وأخذنا نعتذر ونهدئ عليه، فتبسم في البداية ثم أخذ يضحك، وذهب إلى المغسلة وغسل وجهه، ورجع إلينا وعيناه تبرقان، وقال لنا بما معناه: إنكما أيها الخبيثان لا يمكن لأحدكما أن يعرف ذلك الشعور الذي تملّكني، وذلك الإحساس الذي اجتاحنا، لمجرد أنني أصبحت (أعمى)، إنها دقائق قليلة، لكنها كانت بالنسبة لي (هاوية ليس لها قرار).

وصمت ثم أخذ يلوم نفسه قائلا: الحق ليس عليكما، لكن على مَن يصدّقكما، وهو يعرف أكاذيبكما، ولو أنه كانت هناك فائدة واحدة من عماي، فهي عدم رؤيتي لوجهيكما القبيحين، فضحكنا وازداد قبح وجهينا.

[email protected]