مدينة الدراسات المؤجلة

TT

في معرض حديث أمين مدينة جدة عن «حمى الضنك» لإحدى الصحف السعودية، أجرى مقارنة بين جدة وسنغافورة في عدد الإصابات الأسبوعية، وليصل ـ كما توقعت ـ إلى نتيجة أن جدة أفضل وضعا من سنغافورة في نتائج حملاتها على حمى الضنك.. وبصراحة كنت جالسا فوقفت تقديرا لجهود الأمانة، ومتمنيا أن تتواصل الإحصاءات المقارنة التي تصدرها الأمانة حول الأحياء العشوائية، وغرق المدن، والاختناقات المرورية، وتلوث المدينة، وتآكل المنطقة التاريخية، وبطء المشروعات الإنشائية.. فمن العدل أن يتواصل مسلسل المقارنات.

والحقيقة أن مدينة جدة التي سبقت كافة المدن السعودية والخليجية إلى التحديث ضلت بوصلة مسارها فغدت مثقلة بالهموم، فإذا ما فرحت المدن بهطول المطر غرقت هي في شبر ماء، وها هي شوارعها الهرمة تنوء بالناس وبالعربات وضجر الوقت، والبحر المحاصر بالأسوار والأبراج وهجمات «المستثمرين» لوى عنق المدينة فأصبحت تطل على الجبل بدلا من البحر، وتتوسد صخوره ليلا قبل أن تنام.

لو كنت مسؤولا في أمانة جدة لتجنبت حديث المقارنات سواء على مستوى المدن في الداخل أو على مستوى الخارج، وسأدع «سنغافورة» لشأنها وأنصت لما يقوله الناس هنا، فثمة ما يستحق الإنصات.. حتى مجلس المدينة البلدي ـ صاحب القائمة الذهبية المعروفة ـ الذي ملأ شوارع المدينة بملصقاته وليلها بوعوده، يغرق هو الآخر في الصمت وكأنه اكتفى بلعبة الكراسي بعد كل ذلك الضجيج.

مشكلة جدة أن كل أمين يتسلم أمانتها ينشغل بدراسات جديدة غير التي قام بها سلفه بادئا من نقطة الصفر، وغالبا ما تنتهي فترته الوظيفية قبل أن ينتقل من مرحلة التخطيط إلى التنفيذ، وكنت تمنيت أن يخرج أمين مدينة جدة الحالي من هذا السياق، فيعتمد الكثير من الدراسات التي استغرقت سلفه، لكن يبدو أن لكل أمين دراساته الخاصة، حتى ليمكن أن تنعت هذه المدينة بأنها مدينة الدراسات المؤجلة، وأنا على ثقة بأن ما أنفق على تلك الدراسات كان يكفي لتنفيذ الكثير من المشروعات الحيوية لولا أن الجميع قد أصابته حمى الدراسات لتغدو أحلام المدينة سجينة الورق، وجل منجزات الأمناء ورق في ورق.