إسقاط حكومة السنيورة.. لحماية النظام في دمشق

TT

تحول لبنان والعراق الى حقلي تجارب لإيران، وما تحاول تطبيقه في العراق تكرره في لبنان. أحيانا يكون الأسلوب مختلفاً انما يبقى الهدف واحداً.

كثيراً ما تساءلنا، كيف يمكن للشيعة الموالين لإيران في العراق ان يكونوا مع الولايات المتحدة، في حين يخوُن حزب الله ـ الموالي والمدعوم والحليف لإيران ـ كل طرف لبناني على أساس انه مع الولايات المتحدة وليس معه وبالتالي ليس مع سوريا وإيران وحماس الخ...

منذ بدء الغزو الاميركي للعراق وقف الشيعة هناك مع الاميركيين، ويوم الاثنين الماضي طلب عبد العزيز الحكيم رئيس «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق» من الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش أثناء الاجتماع به في واشنطن، الإبقاء على القوات الاميركية في العراق.

اما في لبنان، والموالون لحزب الله يملأون ساحتي الشهداء ورياض الصلح وسط العاصمة بيروت، فإن الشعارات التي انطلقت، والخطب التي القيت، والرسائل التي تم إيصالها كانت كلها تصب في ان «الفخورين بعلاقتهم مع ايران وسوريا» سيطيحون «حكومة فيلتمان» (السفير الاميركي في لبنان) وسيفرضون على «أتباع أميركا» الرحيل او الانصياع!

أليست هذه أميركا نفسها التي هي في العراق وجوداً عسكرياً، ونفوذاً سياسياً، وسفارة تعتبر من اكبر القلاع في العالم، والتي تحمي في «المنطقة الخضراء» كل زعماء الشيعة العراقيين الموالين لإيران؟

لكن آية الله علي خامنئي كان زوّد رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري عند اجتماعه به في طهران بما مفاده انه يريد أن يكون لبنان «الساحة التي ستهزم أميركا والصهاينة»، ربما عندها سيسهل على إيران هزيمتها في العراق، او العكس هزيمة إيران في العراق.

اما الصهاينة ـ أي إسرائيل ـ فكلما كان لبنان في محنة ومهدداً من القوى التي تريد محاربة أميركا فيه، أو كان يرزح تحت اجرام القصف الإسرائيلي رداً على صواريخ حزب الله الموجهة الى شمال إسرائيل، يقوم هؤلاء «الصهاينة» بتوجيه رسالة تطمين إلى سوريا حليفة إيران. إذ قال رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت يوم الاثنين الماضي في جلسة لجنة الخارجية التابعة للكنيست: «لا حروب قادمة مع سوريا، ولا نية لدى إسرائيل في مهاجمتها. اذا كان هناك في دمشق من يخشى ذلك فيمكنه ان يرتاح. لن نعمل ضد سوريا ما لم نقم بذلك خلال الحرب في لبنان»! فكيف لا تقوم الدنيا «الإيرانية» وتقعد عندما يقول اولمرت هذا الكلام الموجه إلى سوريا، وتقوم الدنيا الايرانية والسورية عندما تنشر صحيفة «هاآرتز» تعليقاً تعبّر فيه عن قلق اسرائيل من إسقاط «حزب الله» حكومة فؤاد السنيورة! مع العلم ان النظام السوري يمكن أن ينهار وبسرعة إذا ما وقعت الحرب بينه وبين إسرائيل، لذلك يعمل النظام على تجنبها بكل الوسائل، إضافة إلى أن سوريا تعرف ان طريقها الى استعادة الجولان يمر في واشنطن. اما حزب الله، فيبدو فإنه خطف حركة «14 آذار»، فهو طلب من محازبيه رفع العلم اللبناني فقط، واقام لهم الخيم في ساحة الشهداء. ورأينا وجوهاً ضاحكة وشباناً وشابات يرقصون ويهزجون، الفرق ان رسالة «14 آذار» كانت ولا تزال: حرية، سيادة، استقلال. اما رسالة مناصري حزب الله فهي: اطاحة، انقلاب، انصياع.

لقد تمتع حزب الله بدعم أغلبية اللبنانيين عندما حارب اسرائيل، لكنه فقد هذا الدعم عندما انقلب ليحارب شريحة كبيرة من اللبنانيين، خصوصاً انه بدا في هذه الحالة رأس حربة لإيران.

يقول حسين عواضة لصحيفة «التايمز» البريطانية (عدد الاثنين الماضي): ان إسرائيل أقوى من هذه الحكومة، وقد هزمنا إسرائيل. سنحقق انتصارنا الثاني هنا!» ويقول النائب في حزب الله علي مقداد: «فقط تغيير هذه الحكومة يحل الأزمة».

الحرب التي انتصر فيها حزب الله دمرت المطار والطرقات والجسور ومناطق آهلة بالسكان، وهذه ليست املاك الحزب، بل تعود إلى الشعب اللبناني الذي يكاد يفقد الثقة بالمستقبل وإعادة البناء واجتذاب الاستثمارات الى لبنان، طالما أن هوس الانتصار يسيطر على فريق لبناني.

يريد حزب الله إسقاط الحكومة، من دون ان يطرح على اللبنانيين البرنامج البديل الذي سينقذ مستقبلهم ومستقبل لبنان.

الحكومة قصّرت، فهي صرفت الكثير من الوقت لمتابعة التحقيق الدولي بجريمة اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، وأهملت لمدة سنتين الاهتمام بالقضايا اللبنانية الأخرى مع انها كثيرة. لكن في الوقت نفسه، وبينما كانت تعوّل على موسم سياحي «يرتزق» منه كل اللبنانيين، إذا بحزب الله يُدخل لبنان في حرب، خرج منها لبنان مدمراً والحزب منتصراً.

الآن، مع استمرار المظاهرات وتعطيل كل الأعمال التجارية والاقتصادية الصغيرة والكبيرة، وموسم الأعياد على الأبواب، قد يواجه لبنان مستقبلاً لا تحسده عليه حتى الصومال. بالمناسبة بدأت أيضا المظاهرات الشعبية في الصومال دعماً للمحاكم الإسلامية، وتهدف إلى إسقاط الحكومة الشرعية. وكي نتساوى يجب ان نعلن منطقة «ارض لبنان» مثلاً، و«لبنان لاند» الخ...

يقول البروفيسور وليد فارس مؤلف كتاب «مستقبل الجهاد» وأحد مهندسي القرار الدولي 1559 والزميل في مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات في واشنطن:

«لو كان «حزب الله» حزباً سياسياً لبنانياً لما لجأ الى هذا الأسلوب. لكن أمر العمليات يصدر من طهران، وهو يريد إسقاط الحكومة لأن هذه الحكومة تستطيع إسقاط النظام في سوريا».

ويقول «منذ خروجها بالطريقة المعروفة من لبنان إثر اغتيال الحريري ومع احتمال أن يكون بعض قياديي النظام مهدداً بالتحقيق الدولي، وسوريا تبذل جهداً لتأخير التحقيق، او تحويل مجراه، وتبحث عن فرص لاستعادة نفوذها في لبنان بالعمل مع حزب الله وحلفائها التقليديين من الأحزاب.

ويضيف البروفيسور فارس: «تقوم إيران وسوريا بأقصى ما يمكنهما للسيطرة على لبنان لأسباب اقتصادية أولا، لقد خسرت سوريا بشكل مهول بسبب خروجها من لبنان، ثم إن القرار 1701 حدد حركة حزب الله في الجنوب، وحرم إيران من إطلالتها على البحر المتوسط. ويهدف حزب الله من وراء إسقاط الحكومة الحالية، إلى المجيء بحكومة مقاومة لتفشيل القرار 1701».

ويضيف «ان الأمم المتحدة وواشنطن وباريس والكثير من الدول العربية تعتبر ان حكومة فؤاد السنيورة خط احمر لأن اسقاطها يعني انتصار إيران وسوريا، وحسب ما وصله في واشنطن فإذا طلبت الحكومة اللبنانية المساعدة فإنها ستحصل عليها، واذا لم تطلب وسقطت تحت أيدي غير ديموقراطية فسوف يتم تطبيق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لمواجهة حزب الله والآخرين.

ويعتقد البروفيسور فارس إن إيران وسوريا «تدفعان بحزب الله الى وضع يريد تجنبه، فالحزب لا يريد ان يتحول الى محارب يصارع داخليا في حين انه استمد قوته من مقاومة اسرائيل، لذلك يريد ان يحسم الأمر بسرعة قبل ان يفقد مصداقيته كلها في لبنان والخارج. اذ كيف يكون حزباً مقاوماً ورجاله يدخلون الى احياء بيروت الغربية الصغيرة؟ خسارة حزب الله الآن انه وحّد بقية اللبنانيين ضده»

يتهم حزب الله الحكومة اللبنانية انها تآمرت عليه أثناء الحرب، لكن بسبب هذه الحكومة صدر القرار 1701 على أساس الفصل السادس وليس الفصل السابع. وهو الفصل الذي يمكن ان يلجأ إليه المجتمع الدولي لإنقاذ لبنان من السيطرة الإيرانية والسورية».

ويشرح البروفيسور فارس مفاعيل هذا الفصل بقوله: «في الفصل السابع شقان: إذا تعرض الشعب للمخاطر تتدخل الأمم المتحدة لوحدها، كما فعلت في البوسنة وكوسوفو وتيمور الشرقية. وإذا أصبحت الحكومة على وشك الانهيار بسبب ضربات قوى غير شرعية يتدخل مجلس الامن. او اذا كان هناك مزيج من الاثنين».

وماذا يعني عملياً في حالة لبنان؟ يقول فارس: «احد السيناريوهات، يُطلب من قوى الأمم المتحدة الموجودة في لبنان، ان تنتشر في جميع المرافق الحيوية العامة كالمطار والمرافئ والحدود لتنفيذ مهمتها الانسانية، اذا تصدى لها حزب الله، فإن الفصل السابع يحوّل هذه القوى الى قوة ضاربة بتفويض مختلف، ويضاعف من عددها ويطلب منها نزع سلاح حزب الله وتكون اولى مهماتها اغلاق كل الحدود والمنافذ بحيث يصبح حزب الله في جزيرة معزولة، لأن هذه القوات ستنتشر في كل لبنان باستثناء مناطق حزب الله، ثم تصبح العملية مفاوضات بين الامم المتحدة وحزب الله.

قبل الوصول إلى تلك المرحلة، حيث آخر الدواء الكي، يرى فارس أن الأهم الآن في كل هذه المعادلة هو الجيش اللبناني، انه بيضة القبان، في عديد الجيش 20% من مناصري حزب الله و«حركة أمل»، أما الشيعة الكثر الباقون فليسوا كلهم من حزب الله.

وكان قائد الجيش الجنرال ميشال سليمان قال، انه لن يسمح بسقوط اي من مباني الرئاسات الثلاث بأيدي غير شرعية، والثمن لعدم اسقاط رئاسة الوزارة ان قوى «14 آذار»، لم يعد في استطاعتها اسقاط رئيس الجمهورية بالقوة.

في النهاية يقول البروفيسور فارس، انه إذا سيطرت ايران ـ وهو يشك بهذا ـ على كل شيعة العراق بمن فيهم جماعة مقتدى الصدر، فإن حدود إيران مع السعودية تصبح 600 ميل، وهدف إيران النفط ومكة والمدينة، وتعتقد بأنها إذا سيطرت على النفط فإن الحجاز ستسقط فوراً. «ان مشروع إيران كبير ومقاومته الآن في العراق وخصوصاً في لبنان، وكما قال خامنئي: ان الحسم سيكون في لبنان».

أما في لبنان فيقولون: إن عام 2007 سيكون صعباً، ستتخلله حرب مذهبية، يليها التوجه صوب الفيدرالية وتوطين الفلسطينيين في الجنوب، ولن تنجو سوريا من هذا المصير.