ماذا يريد السيد؟!

TT

ماذا يريد حزب الله والسيد حسن نصر الله، وإلى أين يقودون لبنان؟ فمن إقامة دولة داخل الدولة في الجنوب اللبناني، إلى تنظيم المظاهرات الصاخبة تأيداً لسوريا الأسد وبقاء قواتها ومخابراتها في لبنان، إلى افتعال حرب مدمرة مع إسرائيل، إلى التهديد بالنزول إلى الشارع وإثارة فتنة لا تبقي ولا تذر، وهو اليوم يريد إسقاط حكومة السنيورة، لا لأنها حكومة فاسدة ومستبدة، حسب ما هو معلن، ولكن لأنها وافقت على المحكمة الدولية التي ستطيح برؤوس في لبنان والشام.

بطبيعة الحال يُنكر حزب الله ذلك، ويركز على قضايا الفساد والاستبداد، وكأن حكومة السنيورة هي الوحيدة الفاسدة والمستبدة في التاريخ اللبناني، على افتراض صحة هذه التهم. والمشكلة حقيقة ليست في سقوط حكومة السنيورة أو عدم سقوطها، فالحكومة تليها حكومة ولا مشكلة في الأمر، إذا كانت الحكومة هي محل الخلاف، ولكن المشكلة تكمن في السؤال المصيري بعد ذلك: إلى أين يتجه لبنان؟ فمن الواضح أن السيد حسن نصر الله مستعد للعب كل الأوراق المتاحة في سبيل إسقاط الحكومة التي أقرت المحكمة الدولية، ورحبت بالقرارات الدولية المتعلقة بلينان، مدعوماً من إيران وسوريا، الخاسران الأكبر من كل ذلك، فيما لو نجحت الجهود الدولية.

فبالأمس جر حزب الله لبنان إلى حرب دمرت الأخضر واليابس، وكل ذلك من أجل أسر جنديين اعترف ذات السيد حسن نصر الله بأنه ما كان ليفعلها لو كان يعلم بأن ردة الفعل الإسرائيلية ستكون بذاك الحجم، بعيداً عن التبريرات اللاحقة التي تقول بأن إسرائيل كانت ستشن تلك الحرب سواء قام حزب الله بفعلته أم لم يقم. حرب كانت حصيلتها ستة آلاف ما بين قتلى وجرحى، وتدمير 65% من البنية التحتية اللبنانية، و45% من الطرقات، واثنين وسبعين جسراً مدمراً، وضرب الموسم السياحي ذلك الصيف، وتطول القائمة. واليوم ها هو ينظم اعتصاماً في وسط بيروت من أجل إسقاط السنيورة وحكومته، متجاهلاً، أو غير مكترث بما قد يؤدي ذلك إليه من زلازل ومحن، وقلاقل وفتن، ما ظهر منها وما بطن. مشكلة حزب الله أنه لا يستطيع الحياة إلا في جو من القلاقل والاضطرابات، إذ بغير ذلك فإنه يتحول إلى حزب عادي ضمن أحزاب عديدة، وهو دور لا يرضاه حزب الله لنفسه، ولا يحقق الطموحات الكاريزمية للسيد حسن نصر الله. فقبل جر لبنان إلى حرب لا ناقة له فيها ولا جمل، كان حزب الله قد بدأ يفقد وهجه الذي اكتسبه بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من الجنوب، وبدأ يتحول إلى حزب ضمن أحزاب تتنافس على السلطة. وبعد مقتل الرئيس الحريري، وصدور القرار الدولي رقم 1559، بدأت أذرعة الحزب تتكبل، فكان لا بد من خلق جو يعيد زخم «المقاومة» الذي سيعيد إلى الحزب وهجه المفقود، فكان أسر الجنديين وما تلا ذلك من أحداث. بالإضافة إلى ذلك، فحزب الله ليس ذاك الحزب المستقل، بل أنه الممثل غير الرسمي لإيران في لبنان، وبالتالي فهو يخوض معركة بالنيابة عن إيران التي تريد هزيمة أميركا ومشروعها على أرض لبنان.

ومثل أي حزب شمولي، فإن حزب الله لا يقبل بأقل من كل السلطة، أو لا سلطة على الإطلاق، وليكن بعد ذلك ما يكون. ومشكلة حزب الله أيضاً أنه لا يستطيع العيش دون ذراع عسكري، ودون دور ينافس فيه الدولة في الإنفاق والرعاية، وذاك يتطلب مالاً وفيراً، وهو أمر لا يمكن أن يكون دون الاتكاء على قوة خارجية، هي إيران في هذه الحالة. كما أن مشكلة حزب الله أنه لا يستطيع أن يكون تنظيماً لبنانياً بحتاً، فذاك يجعل مشروعيته متساوية مع مشروعية الآخرين، وهو يبحث عن مشروعية أكبر، فلبنان أصغر من أن يكون الثوب المناسب للحزب أو لطموحات السيد حسن نصرالله. فالحزب يطرح نفسه على أنه «مقاومة إسلامية» لا في لبنان وحده، ولا ضد إسرائيل وحدها، بل هو المتصدي «للمشروع الأميركي» في كل أرجاء المنطقة، والسيد حسن نصرالله يطرح نفسه كزعيم على مستوى العالم الإسلامي كله وليس لبنان وحسب. بأخذ كل هذه الأمور في الحسبان، نستطيع أن نفسر السلوك السياسي لحزب الله، والظروف المحيطة بالسيد حسن نصرالله حين يتخذ هذا القرار أو ذاك، فما هو على المحك أكبر من لبنان بكثير.

ولكن، إذا كان السيد حسن نصرالله يرى أن له دوراً يتجاوز الحدود اللبنانية، فذاك شأنه وله الحق في أن يكون له من الطموحات مع ما يتناسب مع الحجم الذي يراه لنفسه. وأن يعتقد السيد حسن نصرالله بأنه امتداد للمشروع الثوري الإيراني، المطروح على أنه البديل الأوحد للمشروع الأميركي في المنطقه، فهذا حقه أيضاً، وله أن يرى ما يرى، كما أن لكل شخص الحق في أن يرى ما يرى. وأن يرى السيد حسن نصر الله أن النظام السوري نظام قومي مكمل في عقيدته السياسية لعقيدة حزب الله، وأن مصير لبنان معلق بمصيره، فهذا أيضاً حق للسيد حسن نصر الله. ولكن أن تكون كل هذه القناعات على حساب لبنان واستقراره، واستقرار المنطقة كلها بالتالي، فهذا أمر يجب أن تكون عنده وقفة طويلة. ما يفعله السيد حسن نصرالله اليوم هو تعبئة طائفية، وتصعيد سياسي، وتمهيد لأعمال عنف، وذلك لأهداف لا علاقة لها بلبنان أو المصلحة اللبنانية، بقدر ما هي أهداف إيرانية وسورية في المرتبة الأولى. إيران تبدو اليوم منتشية بعد الإعلان عن توصيات بيكر ـ هاملتون، وباتت مقتنعة أن الاعتراف بها قوة إقليمية مهيمنة لم يعد بعيداً، وخاصة الاعتراف بدور خاص بها في العراق، وهي تريد أن يكون لها وجود فاعل في لبنان أيضاً لتدعيم هيمنتها الإقليمية على الطرف الآخر من المنطقة، وليس أفضل من لبنان يحكم فيه حزب الله دعامة لهذه الهيمنة، وهذا هو الهدف في النهاية من كل ما جرى ويجري.

ولكن في الختام، ورغم كل ما يجري في لبنان ومعه العراق، فإن التاريخ والظروف المحيطة، الدولية منها والإقليمية، تقول إن الأنظمة الفاشية والشمولية إلى زوال، مهما بدا أنها قائمة إلى الأبد. سيأتي يوم ينهار فيه النظام السوري، وتعود العلاقة طبيعية بين سوريا ولبنان، دون استغلال أو محاولات هيمنة. وسيأتي يوم تعود فيه إيران إلى عقلها، ويصبح حكم الملالي والمتعصبين جزءا من التاريخ الإيراني، وحينئذ تعود إيران إلى جيرانها وفق علاقات تعاون واحترام متبادل، وساعتها أين سيكون حزب الله والسيد حسن نصر الله، حين ينتهي الدعم الإيراني والتأييد السوري؟ لن يبقى لحزب الله في النهاية إلا لبنان، بعد أن ينقشع الغبار ويعود للسماء صفاؤها، فهل يفكر حزب الله ، بل هل يفكر السيد حسن نصرالله بذلك، قبل أن يقحم لبنان في آتون فتن لا أول لها ولا آخر؟ بل كيف يريد السيد حسن نصر الله أن يتذكره اللبنانيون حينذاك: رمزا وطنيا من رموزهم، أم كارثة من كوارث تاريخهم؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن يطرحه كل زعيم لبناني على نفسه، وأولهم السيد حسن نصرالله، وكان الله في عون الجميع على أنفسهم أولاً وآخراً.