كيف تعيش 104 سنين

TT

وصل إلى الرئاسة في عدد من دول أميركا اللاتينية في السنوات الأخيرة عدد من العسكريين واليساريين. وباستثناء الرئيس البرازيلي الملقب «لولا»، والذي كان عامل قمامة، يجمع بين هؤلاء جميعاً أمران: هوغو شافيز وخطاب الحقد. وعالم هذه الأيام مليء بالنفث الحاقد. ومكتظ بالسفهاء. وفي القول «داروا سفهاءكم». ويعتقد العموم أن السفه هو البذاءة. لكنه في اللغة أفظع من ذلك بكثير. انه النقص في العقل. ولذا كان السفيه بذيئاً. وما كانوا يعقلون.

يلاحقني في حياتي تأنيب ضمير لا يكف ولا ينهى. وهو أنني أخفقت في تسديد دين مرتين. المجموع نحو 300 دولار. طوال فترة لم أستطع أن أسدد. ثم أضعت صاحبي القرضين. ولا أزال. وعندما أسمع حكام أميركا اللاتينية الجدد يقولون إنهم لن يدفعوا الديون المترتبة على بلدانهم، أقول ما الفرق بينهم وبين البلطجية. الخطاب السياسي الساقط والحاقد يملأ العالم هذه الأيام. وكان من شروط العمل السياسي في الماضي حسن الخلق وحسن الأدب ورفعة الخطاب. وكان المسؤول الذي يغضب أمام مساعديه يعتبر فاشلا. ولذلك قيل عن السير والتر سكوت انه «مؤدب حتى مع كلابه».

وقال الكاتب البريطاني بول جونسون لمحرريه: «إياكم والصراخ. انه غير ضروري ويقلل من قيمة الإنسان». وكنت اسأل الأمير سلمان بن عبد العزيز بن سلمان البالغ 7 سنوات من العمر، ما هي أحب الدروس إليه، فقال العلوم. وكان لديه هو أيضاً سؤال يطرحه عليَّ: «عمو، لماذا يصرّخ اللبنانيون دائماً». وخفضت صوتي لكنني لم أدر جواباً على هذا السؤال الطفولي البريء. لقد ذكّرني سلمان الحفيد بأننا شعب لا يكف عن الصراخ. وكما كتب الزميل سليم نصار فان الغضب عند اللبناني في الجينات. وحب النزاع. والنزعة إلى إلغاء الآخر. وهو دور تتخذه كل حقبة فئة ولعلهم يتفكرون. عندما طرح عليَّ سلمان في عامه السابع هذا السؤال، شعرت أنني اصغر منه بسبع سنين. سبع سنين عجاف. نحن شعب مرتفع الصوت وعالي الضجيج. والصوت العالي ليس ديمقراطية. والغضب ليس حرية. والحقد ليس وطنا ولا مستقبلا ولا مصيرا. انه حاضر خطر ومخيف. وما يبنى على حقد وضغينة يولد الكره والفرقة.

قبل أن ينتمي الإنسان إلى وطن يجب أن ينتمي إلى المحبة. العجز في العثور على التعابير والمصطلحات اللائقة ليس عجزاً لغوياً بل هو تشوه خلقي. وفي ذلك يتساوى بعض قادة أميركا اللاتينية الجدد وبعض السياسيين اللبنانيين. وما لسفاهتهم حد. وما من حد لخروجهم على آداب المخاطبة ومسؤولية التحدث إلى المواطنين. ويؤسفني أنني لا أستطيع أن اثبت نموذجاً على بعض ما قيل، هنا وهناك، فلا آداب الجريدة تسمح ولا قواعد الحبر والورق تتقبل. لم أقابل الرئيس فؤاد السنيورة منذ تسلمه المسؤولية إلا في بعض التعازي، في جبانة صيدا وفي مسجد الخاشقجي في بيروت. وفي المرتين لم يزد الكلام على السلام. ولكنه قبل الوصول القدري إلى هذا المنصب كان قد اخبرني أن والده (أبو سامي) قد أوصاه، ليس بأن يعد إلى العشرة قبل أن يأتي بردة فعل بل إلى المئة. وقال له: «من اجل أن تهضم الأشياء حقاً، يجب أن تمضغ كل شيء. كل شيء حتى المياه». والذين يسألونني من أين لفؤاد السنيورة كل هذه الأعصاب، أحيلهم على نصيحة أبي سامي، الذي عاش 104 سنوات، لا يغضب ولا ينفعل.