فضيحة بجلاجل

TT

ليس خبرا صحافيا أن يعض الكلب إنسانا، ولكن الخبر المثير أن يعض الإنسان كلبا، ذلك ما كانوا يحاولون تعليمه لنا في بداياتنا الصحافية، ويبدو أن هذه الدرس قد لصق في عقولنا كمشتغلين في الصحافة، فغدونا نهتم كثيرا بأخبار المفارقات.. فمن المعروف أن المرأة، في الغالب، كائن عطوف رقيق ناعم، تعرض تاريخيا للكثير من اعتداءات جنس الرجال الخشن ولا يزال، ومع هذا نجد أن بعض الدراسات تفبرك نتائج تفتقر إلى المصداقية وتحتفي بها الصحافة، كتلك الدراسة التي أشارت إلى أن 28% من الرجال المصريين يعانون من ضرب زوجاتهم لهم، و23% من الأمريكان، و17% من الإنجليز، و12% من الهنود، وأن الرجل الصيني القصير الهزيل النحيل نجا بنفسه من دون رجال العالم، من هذه التحولات الاجتماعية، إذ أن نسبة الصينيين الذين يتعرضون للضرب من قبل زوجاتهم ـ بحسب تلك الدراسة المزعومة ـ لا تتجاوز 1%، ومن حسن حظ الخليجيين أنهم قد سقطوا سهوا أو عمدا من تلك الدراسة، فسلموا من أن تكون فضيحتهم بجلاجل، وهم الذين يرفلون في ظل ثقافة ذكورية ضاربة أطنابها في أعماق نفوسهم.

وأنا شخصيا لا أصدق هذه الدراسات، كما لا أصدق ما قاله أوسكار وايلد بأن «تاريخ النساء أسوأ تاريخ للاستبداد، فهو استبداد الضعيف بالقوي وانه الاستبداد الوحيد الذي يدوم»، ولا اصدق أيضا ذلك الخبر الذي تناقلته بعض وكالات الأنباء بأن الرجال في بنغلاديش قاموا بمظاهرة طويلة عريضة يطالبون فيها الدولة بحمايتهم من زوجاتهم، فكل تلك الأخبار والدراسات استهواها اللعب على وتر المفارقات، وحتى لو افترضنا جدلا وجود القليل من مثل هذه الحالات فلا يمكن النظر إليها إلا من زاوية العنف المولد للعنف المضاد، فثمة كتلة كبيرة من المجتمع البشري لا تزال ترتهن إلى ثقافات تقليدية نظرت إلى المرأة ككائن هامشي لا يستقيم بغير الضرب.

والحديث عن الحرب الكلامية بين الأزواج حديث حافل بالنكات والحكايات و«القفشات»، وإن كانت المرأة في هذه الحرب أكثر تهذيبا ونعومة ورقيا من غلظة الرجال وسوقية عباراتهم.. فمن أين لعالمنا المتوتر على ضفتي العلاقة الزوجية، ثقافة إنسانية تنبت السعادة من جديد، بعد أن داهم أو أوشك أن يداهم تلك العلاقة الجفاف والبلادة وضرب السواطير؟!

[email protected]